بعد كارثة جدة 2008، تم فتح ملف محاسبة جديد تساوت فيه الألقاب والأسماء، وسقط الوساطات. رصد، فتحقيق، فمحاكمة، والنهاية بطبيعة الحال إدانة، أو براءة. ثقافة المحاسبة انتقلت من ملفات حمراء إلى خضراء، وباتت شفافة خلال 2011. قبل أعوام، كان المسؤلون المدانون يتغنون على عقاب «كف اليد» أو الإحالة للتقاعد أو «النقل مستشارا في الوزارة»، كلها توقع مسبق محلى بالنجاة من السجن والتغريم، ممن أتيحت أمامه فرصة للتلاعب، أو جمع المال بتوقيع أو بسطوة منصب! الآن، باتت محاكمة المدير العام أو نائبه، تماما مثل إخضاع عامل بوابة الدخول أو حارس الأمن للتحقيق بشأن مخالفة مهنية. وتساوى في العقاب من يأتي إلى عمله بسائق خاص وسيارة فارهة، ومن يقدم إلى ذات الموقع بسيارة تاكسي أو دراجة هوائية، أو على أقدامه. النفع من ضرر كارثة جدة، إخراج الجمر الذي كان مغطى برماد المدينة المنسية من حمايتها من سيول، لا تعترف سوى بمشاريع حقيقية. لأن جدة وحدها من تعيش، ولديها فوبيا «المطر»، حيث ما ينزل من السماء في مدينة مجاورة للبحر، بقي لغزا محيرا لسنوات، و«هنالك من يتفرج، وهو من يغري السامعين والمشاهدين بأعذار، ويحمل في رقبته ذنوبا». ثقافة المحاسبة باتت مرعبة للأشقياء، مؤنسة للأتقياء، محببة للأنقياء. يبقى الذنب على من شاهد وسمع وحس وحضر رسم خطوات الفساد، لكنه لم يغير المنكر سوى بقلبه، وهذا لا يكفي في حضرة الجرم المشهود، الذي ينعكس بسوء وبؤس على ملايين من السكان، ممن توافقوا على تغيير المنكر باللسان، وتمنوا في ذات الحين تغييره باليد، عندما يكون المجني عليه «إنسان بريء». نحن وسط موسم ممطر: جازان وعسير الأقرب إلى غزارة متوالية. عامان من كارثة جدة يتبقى لاكتمالهما أيام معدودة. ماذا أعدت المنطقتان، منذ أن كانتا شاهدتي عيان على كارثة المدينة «التجربة»؟ وجدة وغيرها، ليست بعيدة عن حسابات القدر؛ فالأرصاد تتوقع زخات مطر، وقد تغير التوقع خوفا من المحاسبة هي الأخرى. لكن السيول المنقولة، قد تكون أقوى من حسابات الرصد ومقاييسه. العبرة تبقى في عمل مهني دائم، يلزم الاستعداد وتجهيز العتاد لأي احتمال. الثقافة المجتمعية بالأخطاء باتت مرتفعة، والمحاسبة لن تترك أحدا.