تزدان الشوارع في المملكة بمنظر مخيمات الإفطار والأعداد الكبيرة، التي تتقاطر زرافات ووحدانا، كل يحاول أن يجد مكانا مناسبا للجلوس، والتمتع بوجبة غذائية عالية القيمة، على اعتبار أن التجار يتفننون كثيرا في جذب الصائمين، ويحاولون اختيار أفخر الوجبات المقدمة من المطاعم الكبيرة والمعروفة. ولا تخفى أهمية مثل هذه المخيمات في توثيق صورة التكافل الاجتماعي المطلوب بين أفراد وآحاد المجتمع، خاصة أن شهر رمضان يعد شهر الخير والبر والإحسان، فهذه المظاهر تعد طبيعية على شعب المملكة. وعند زيارتك إحدى هذه المخيمات المنتشرة، يشدك منظر الشباب الذين يقدمون الابتسامة، ليزرعها على محيا الطرف الآخر، في إشارة واضحة منه، أنه يقوم بهذا الإجراء وهو مقتنع أشد الاقتناع، بل يبحث عن رضا الله عز وجل، ودون أن تغيب عن فكره فكرة كرسها الدين الحنيف، وأطلقها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال «من فطر صائما فله مثل أجره»، ليكون هذا الحديث حافزا مباشرا، لكل من شارك أو ساهم في مشروع خيري يهدف إلى إذكاء روح الأخوة الإسلامية. الأعداد كبيرة راجح الشمراني المشرف على مخيم التفطير الدعوي بحي الوزارات يصف ما يحدث أمام ناظريه يوميا «يقام هذا المخيم سنويا وهو الآن يقام للعام الثالث، تحت إشراف مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالبطحاء، ويفطر لدينا يوميا ما يقارب 1500 شخص، والعدد يزيد قليلا وينقص أحيانا، وأما عن المشاركين في التنظيم، فهم من المتطوعين من أبناء الحي، وجاؤوا إلى هنا رغبة منهم في كسب مزيد من الأجر، خاصة عندما تعلم أن العدد يصل إلى 1500 شخص، ثم تناوله تمرا أو ماء أو وجبته الخاصة، لتنال بسبب هذا العمل البسيط في نظر الكثيرين أجرا عظيما». وحول الصعوبات التي تواجهم يؤكد الشمراني أن أهم مشكلة تواجههم، هي تنظيم هذه الأعداد الكبيرة التي تصل يوميا، وكذلك النقص الحاد في أعداد العاملين في المخيم، وقد تكون هناك مشكلة ولكنها ليست بشكل مستمر على اعتبار أننا نحاول علاجها يوميا، وهي نقص بعض الوجبات، كأن يحضر عدد أكبر من المتوقع، فلا نجد وجبات كافية، فالأعداد تكون محددة مسبقا، وفي أحيان قليلة تفيض الوجبات عن الحاجة ولكن مشكلة النقص تواجهنا أكثر، وقدم الشمراني شكره الجزيل لمدير مكتب البطحاء الشيخ نوح القرين على التسهيلات الكبيرة التي قدمها لهذا المخيم، وكذلك لجميع التجار المساهمين في تقديم الوجبات اليومية، مشيرا إلى تزامن هذا المخيم مع برنامج دعوي يقدم لهؤلاء الصائمين، حيث يكون بشكل متتابع حضور عدد من الدعاة ليقدموا لهم كلمات دعوية مباشرة في العقيدة وفي أحكام الصيام والعبادات بشكل عام، كما أنهم نظموا ملتقى شبابيا، خلال الأيام الماضية، استضافوا فيه عددا من الدعاة والمشايخ، وذلك لتقديم نوع من التوعية المطلوبة حتى لأبناء الحي من الشباب والأطفال. أعمال بر وخير من جهة أخرى ثمن الشيخ الشريف هاشم بن محمد النعمي الجهود التي تقيمها المخيمات الدعوية في مناطق المملكة المختلفة معتبرها واجبا يقدمه أبناء هذا البلد المعطاء «وجود هذه المخيمات يعتبر أمرا ضروريا خاصة في الأحياء التي تتوافر فيها عمالة بشكل مكثف، لأن أعدادا كبيرة منهم لا تستطيع أن توفر قيمة وجبة الإفطار طوال الشهر الكريم، وفي توفيرها لهم توسعة عليهم». وأشاد النعمي بالجهود الدعوية التي تقدمها مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات المنتشرة في أنحاء البلاد، فهي تقوم بدور كبير وجبار، ولعل أهمية تصحيح مسار عقيدة الشخص من أهم الواجبات وأعظمها، وكذلك تعليمهم الأحكام الشرعية، وتبصيرهم في أمور دينهم. وحض النعمي أن يكون العمل أكثر تنظيما بالنسبة إلى هؤلاء المقدمين لهذه الوجبات، وأن يحاولوا توزيع بعض الكتيبات والمطويات بلغات العمالة التي تحضر، على اعتبار أنها متوافرة في أغلب المكاتب الدعوية والحاجة إليها ماسة وشديدة. وحول الأجر الذي يمكن أن يحصل عليه كل من ساهم في مثل هذه المشاريع، أكد النعمي أن الله عز وجل خزائنه مليئة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «من فطر صائما فله مثل أجره لا ينقص من أجر الصائم شيء»، ولو ربطنا هذا الحديث مع الحديث القدسي الذي يقول الله عز وجل فيه «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، فما بالك بما سيعطيه الله عز وجل لهذا الصائم من أجر، وما سيعطي من فطره من أجر، والله عز وجل يقول في كتابه العزيز «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، وكما هو معلوم أن الصوم يعد جزءا من الصبر، والله عز وجل نص على أن الأجر المترتب على الصبر عموما لا حساب له، فلا شك أن المساهمين في أعمال تفطير الصائمين، سواء من ساهم بماله أو ببدنه، فهو على أجر كبير وعظيم إن شاء الله. وقدم الشيخ النعمي اقتراحه لأصحاب هذه المشاريع الخيرية، بالاستفادة من أبناء الحي وشبابه، استثمارا لطاقاتهم، وتوجيها لها بشكل إيجابي، داعيا إلى ضرورة الالتفات من قبل هذه الجمعيات في تقديم الوجبات ليس للعمالة فقط، وإنما أيضا للأسر المحتاجة والمتعففة لأنه يحقق واقعيا صورة التكافل الاجتماعي .