ربما ليس اليوم أو حتى غدا، تبدأ رحلة الركض والارتحال، إلى مساجد بعينها، أملا في الوصول إلى أصوات أئمة تخشع لها الأبدان، وتعيش معها الأفئدة ساعات من التواصل الروحاني في صلاة التراويح. هنا وهناك شباب يقطعون مئات الأميال للصلاة خلف قارئ بعينه يتصدر قائمة التفضيل لديهم، ودافعهم في ذلك البحث عن الخشوع في الصلاة، فضلا عن تنقلات مختلفة داخل المدينة الواحدة، فهناك من ينتقل من جنوبالمدينة إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها، بحثا عن هذا الإمام الذي يتميز بالصوت الحسن. البعض يرى الارتحال وشد الرحال محرما، والبعض الآخر يجيز، لكن في ظل توسع الظاهرة إلى الدرجة التي جعلت شابا يرتحل إلى الكويت في شهر رمضان ليصلي خلف أحد الأئمة، يجعل الأمر في حاجة لوقفة، بحثا عن شرعية ذلك من ناحية وإمكانية ذلك من نواح أخرى، وألا تصح الصلاة إلا وراء ذاك الإمام، وهل تخشع القلوب بالأصوات أم بالآيات؟ لا حرج أكد الشيخ صالح بن مقبل العصيمي أن السفر لأجل الصلاة خلف إمام بعينه لا يدخل في النهي المقصود بعدم شد الرحال إلا للثلاثة مساجد: «يجوز أن يسافر ليصلي مع رجل أكثر خشوعا من غيره وهذا لا يدخل في حديث لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ويمكننا فهمه عندما نعرف الظرف الذي قيل فيها، وسبب الحديث أن أحد الصحابة لقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال «من أين أتيت قال من الصور الذي كلم الله عنده موسى قال لو علمت عنك لمنعتك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد وذكر المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجده عليه الصلاة والسلام» والحديث رواه الإمام أحمد وغيره وسنده صحيح، فنجد الحديث يخبر عن مواضع ليس المقصود منها النهي عن شد الرحال إلى أي مكان وإنما يجوز أيضا أن يشد الرحال لغير الثلاثة مساجد فمن رحل لطلب العلم يجوز له، ومن رحل لشيخ يتعلم منه القرآن وقراءته وحسن تلاوته يجوز له، ومن رحل لرجل يخشع معه يجوز له فهو الآن لم يرحل لذات المسجد، ولم يرحل لموطن ليعظمه ولم يرحل لموضع ليجله، فلا بد أن نفهم معنى الحديث ولفظه ودلالته، وما يدل عليه مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسافر الآن مثلا إلى مكة ليصلي مع إمام غير الحرم ولم يصل بل صلى في مسجد آخر مع أن المسجد الحرام أصواتهم حسنة وعلته أنه يخشع عند الإمام، فهذا الآن لم يرحل لأجل المسجد وإنما رحل ليجد قلبه عند هذا الإمام أو ذاك، والمسألة معاصرة لأنه ليس من منهج السلف تتبع الأئمة أو المساجد، ونحن نتحدث هنا عن حل وحرمة والأصل أن الأمر مباح والله أعلم. قراء ضعيفون أما عميد كلية الشريعة الدكتور سعود الفنيسان فأكد على عدم شرعية هذا التنقل بين المساجد والارتحال بين المساجد، وأن الشباب المطبقون لهذا الفعل فيهم خير كثير ولكنهم أخطؤوا في هذا الأمر. وتساءل الدكتور الفنيسان عن سبب ذهابهم للصلاة خلف إمام بعينه في رمضان بالذات ولأجل أن يصلوا خلفه صلاة نافلة وهي التروايح، بينما هم يصلون طيلة العام عند إمام حيهم فلماذا لا يتجهون للصلاة خلف هؤلاء الأئمة في الصلوات المفروضة؟: «أعتقد أنه من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، وما دام أن صلاة الفريضة وهي الأهم يصليها عند هذا الإمام فمن باب أولى أن يصلي عنده النافلة أيضا، وألا يتنقل بين المساجد، ثم إن إمام مسجد الحي قد يحمل في قلبه على هذا الشاب الذي يصلي معه طيلة العام، ثم لا يصلي معه في رمضان، ثم إن هؤلاء المتنقلين يتجهون للصلاة خلف أئمة شباب، ليس لديهم فقه كاف بأحكام الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم أكد على مسألة فقه الإمام ومدى أهميته، فمن يؤم الناس هو أقرؤهم، وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم كان من يؤمهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مع ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فقال عنه أقرؤكم أبي، أو أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما مع أن أصواتهما جميلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى الأشعري إنه «أوتي مزمارا من مزامير آل داوود» ومع ذلك لم يتقدما لإمامة الناس. لا للارتحال ويجيز الدكتور ناصر الحنيني التنقل في نفس المدينة، أما الارتحال فيراه لا ينبغي: «لأنه ليس من منهج السلف ولم يعرف أن أحدا سافر لأجل أن يصلي خلف إمام معين، وسفر الشباب لهذا الغرض من السفه وتضييع الوقت، وأرى جواز أن يصلي الشاب خلف الإمام الذي يعجبه حتى ولو لم يكن قريبا من بيته، أو حتى وضع جدول لكي يصلي كل يوم عند إمام بعينه، ومن قام به فلا حرج عليه» .