شباب يقطعون عشرات الأميال للصلاة خلف قارئهم المفضل، ودافعهم في ذلك البحث عن الخشوع في الصلاة، ناهيك عن تنقلات كثيرين داخل المدينة الواحدة؛ فهناك من ينتقل من جنوبالمدينة إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها؛ بحثا عن إمام ذي صوت حسن، فما شرعية ما يقوم به هؤلاء الشباب؟ خصوصا أن الأمر تعدى الانتقال من مدينة إلى مدينة؛ ليصبح انتقالا من دولة إلى دولة أخرى، وبدلا من عشرات الأميال، أصبح من الشباب من يخرج من مدينة الرياض ليصلي خلف القارئ الشيخ مشاري العفاسي في الكويت، وآخر يتجه جنوب الساحل الشرقي؛ ليصلي خلف القارئ السعودي ناصر القطامي في الإمارات. كل هذه الظواهر شجعتنا على استطلاع آراء المشايخ والعلماء حول هذه الظاهرة التي بدأت في التنامي؛ فكان هذا الاستطلاع: خارج النهي في البداية، أكد الشيخ صالح بن مقبل العصيمي أن السفر لأجل الصلاة خلف إمام بعينه لا يدخل في النهي المقصود بعدم شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وقال: “يجوز أن يسافر المسلم ليصلي مع رجل أكثر خشوعا من غيره، وهذا لا يدخل في حديث (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)”. ويضيف العصيمي: “يمكننا فَهم الحديث عندما نعرف الظرف الذي قيل فيه. ويوضح أن سبب الحديث أن أحد الصحابة لقي أبا هريرة رضي الله عنه، فقال له من أين أتيت؟ قال من الصور الذي كلم الله عنده موسى فقال: لو علمت عنك لمنعتك؛ فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد”، وذكر المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجده عليه الصلاة والسلام. والحديث رواه الإمام أحمد وغيره، وسنده صحيح. ويقول العصيمي: “فنجد الحديث يخبر عن مواضع ليس المقصود منها النهي عن شد الرحال إلى أي مكان، وإنما يجوز أيضا أن يشد الرحال لغير المساجد الثلاثة”. وأوضح أن من رحل لطلب العلم يجوز له، ومن رحل لشيخ يتعلم منه القرآن وقراءته وحسن تلاوته يجوز له، ومن رحل لرجل يخشع معه يجوز له.. وأضاف: “فهو الآن لم يرحل لذات المسجد، ولم يرحل لموطن ليعظمه، ولم يرحل لموضع ليجله”.. وأكد ضرورة أن نفهم معنى الحديث ولفظه ودلالته، وما يدل عليه على مراد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). ويقول العصيمي: “إن من سافر الآن مثلا إلى مكة ليصلي مع إمام غير الحرم في مسجد آخر، مع أن أئمة المسجد الحرام أصواتهم حسنة، وعلته أنه يخشع عند الإمام؛ فهذا الآن لم يرحل لأجل المسجد، وإنما رحل ليجد قلبه عند هذا الإمام أو ذاك”. ويوضح العصيمي أن المسألة معاصرة؛ لأنه ليس من منهج السلف تتبع الأئمة أو المساجد. وأضاف: “نحن نتحدث هنا عن حِل وحرمة، والأصل أن الأمر مباح والله أعلم”. فقه الإمام أما الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة بالرياض سابقا، فيخالف العصيمي فيما ذهب إليه، ويؤكد عدم شرعية هذا التنقل والارتحال بين المساجد. ويضيف: “إن الشباب المطبقين لهذا الفعل فيهم خير كثير، ولكنهم أخطؤوا في هذا الأمر”. وتساءل الدكتور الفنيسان عن سبب ذهابهم إلى الصلاة خلف إمام بعينه في رمضان بالذات.. “ولأجل أن يصلوا خلفه صلاة نافلة وهي التراويح، بينما هم يصلون طيلة العام عند إمام حيهم؟”. ويقول: “فلماذا لا يتجهون للصلاة خلف هؤلاء الأئمة في الصلوات المفروضة؟!”. يؤكد الفنيسان أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره. ويوضح أنه ما دامت الصلاة فريضة، وهي الأهم ويصليها عند هذا الإمام؛ فمن باب أولى أن يصلي عنده النافلة أيضا وألا يتنقل بين المساجد. ويستدرك الفنيسان قائلا: “ثم إن إمام مسجد الحي قد يحمل في قلبه على هذا الشاب الذي يصلي معه طيلة العام، ثم لا يصلي معه في رمضان. أئمة شباب ويذكر الفنيسان أن هؤلاء المتنقلين يتجهون للصلاة خلف أئمة شباب، ليس لديهم فقه كاف في أحكام الصلاة. ويضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد مسألة فقه الإمام ومدى أهميته. ويوضح أن من يؤم الناس أقرؤهم. ويذكر أنه في عهد الصحابة رضي الله عنهم كان من يؤمهم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مع ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فقال عنه “أقرؤكم أبي”، أو أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما مع أن صوتيهما جميلان. وأوضح الفنيسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن أبا موسى الأشعري أوتي مزمارا من مزامير آل داوود”، ومع ذلك لم يكن يتقدم لإمامة الناس. تنقل لا ارتحال ويوافق الدكتور ناصر الحنيني رأي الدكتور العصيمي في جواز التنقل في ذات المدينة، أما الارتحال فيرى الشيخ ناصر أنه لا ينبغي؛ لأنه ليس من منهج السلف. وأكد أنه لم يعرف أن أحدا سافر لأجل أن يصلي خلف إمام معين. ويشير الحنيني إلى أن سفر الشباب لهذا الغرض من السفه وتضييع الوقت، وقال: “أنا أرى جواز أن يصلي الشاب خلف الإمام الذي يعجبه حتى لو لم يكن قريبا من بيته، أو حتى لو وضع جدولا لكي يصلي كل يوم عند إمام بعينه، ومن قام به فلا حرج عليه”.