تتسبب فترة الاختبارات في ضغوط نفسية وارتباك في توظيف الوقت، تؤثر سلبا في أداء الطلاب فيها، في حين أنه باتباع إجراءات بسيطة تخفف من التوتر والتعامل مع الفترة بصورة طبيعية باعتبارها خلاصة عام دراسي وتأكيد للفائدة من التحصيل الأكاديمي يمكن أن تنجح الأسر والطلاب في عبورها بسلام. وهناك كثير من الإرشادات النفسية التي يسمح باتباعها في امتصاص أجواء التوتر التي يمكن أن يعيشها الطلاب وأسرهم، لأن الارتباك في التعامل مع الاختبارات يؤسس لبداية فشل في أدائها حتى لو كان الطالب مهيأ أكاديميا، لأن التوتر يلغي أي مزايا إيجابية في قاعات الاختبارات. يوضح عبدالكريم قابص، يدرس بالصف الأول الثانوي أن الاختبار بالنسبة للطلاب حالة استنفار وهاجس بمثابة صفارة إنذار لمدينة أبلغت بحدوث اهتزاز أرضي وشيك، فيكون على الطلاب ساعتها المحاولة والاستعداد والرهبة الشديدة رغبة في الصمود إلى نهاية الكارثة التي تخيل لهم بأنها ستقع «حتى وإن كان أحدهم دائم الاستعداد من خلال التحضير والإعداد تجده أول المذعورين بخطورة الموقف، ويكون ممسكا بيديه بالشيء الذي يرى فيه تحقق جميع عناصر الثبات». استهتار ولا مبالاة يحيى الحمد، ولي أمر ثلاثة أبناء يلخص الاختبارات في أنها رعب وخوف وسهر وقلقل «أمضي فترة الاختبارات وما قبلها بخوف وقلق شديدين، وقد أضطر في كثير من الأحيان إلى عدم النوم لأيام متواصلة كل ذلك خوفا من أن ينام أحد أبنائي عن اختباره أو يضيع جزءا من وقته على غير الدراسة، فأنا حريص كل الحرص على أن يتميز أبنائي بدراستهم وأن ينالوا الدرجات العليا لأن الجامعات اليوم لا تقبل إلا المتفوقين». ويوافقه محمد صالح القحطاني الذي يشعر بالمعاناة خلال فترة الاختبارات، مشيرا إلى أن ابنه صالح الذي يدرس في الصف الثالث الثانوي يعاني في فترة الاختبارات الخوف الشديد وعدم القدرة على النوم. ويقول إن ابنه في سنة مصيرية إلا أنه يعيشها بكل استهتار ولا مبالاة مما يشعل كثيرا من المشاكل بيننا وبينه، إلى درجة أننا اضطررنا إلى منعه من الخروج من المنزل وهددناه بالعقاب الشديد. مقلقل لتخفيف التوتر ربما تكون لبعض الطلاب حيلهم في عبور الفترة دون ضغوط نفسية، يقول سعيد الزهراني، الطالب في المرحلة الثانوية «بمجرد الخروج من قاعة الاختبارات نتوجه مباشرة إلى المطاعم الشعبية لتناول وجبة الفول أو المقلقل التقاطيع وغيرها من المأكولات المشروبات، وبعد امتلاء المعدة نبدأ التجول في الشوارع والمزاح الذي يصل في بعض الأحيان إلى التشابك بالأيدي». وعن لجوء بعض الطلاب لممارسات خاطئة، يقول الطالب خالد الدعدي «كما يعلم الجميع كبت الاختبارات والطفش والملل الذي نشعر به أيام الاختبارات فإننا نجد من خلال مضايقة المارة والهوشات أو المضاربات الجماعية متنفسا لنا، فلا نكاد نصل إلى المنزل حتى نخلد للنوم بعد صباح نقضيه بين الاختبارات والتجول بين المدارس الأخرى». برامج ترفيهية ويرى محمد محلي، معلم أن لجوء الطلاب بعد أداء كل اختبار إلى ممارسة العديد من السلوكيات الخاطئة يعود إلى الضغوط النفسية التي يواجهها الطلاب أثناء الاختبارات، كما أن لقلة الوعي والإرشاد في المنزل والمدرسة دورا في تصرفات الطلاب العجيبة، فالبعض يلجأ للشخبطة على الجدران وآخرون يتجولون في الشوارع ومضايقة الآخرين، مؤكدا أن فترة ما بعد انتهاء الاختبار حتى وصول الطالب لمنزله حرجة ومؤثرة بشكل كبير في سلوك الطالب، فلذا ينبغي على المدارس إعداد برامج ترفيهية تربوية لإبعاد الطلاب عن الضغوط النفسية أيام الاختبارات. ويقول وكيل مدرسة عين جالوت الثانوية في مكةالمكرمة عواض بن محمد المديني إن ما يعيشه الطالب من قلق واحتقان نفسي كبيرين من الاختبارات تقتات من طاقته الحيوية وتسلمه إلى حيرة في غالب الأحوال، تصيره مادة جاهزة للانفجار في أي لحظة، فالتوتر والقلق والضغط بمثابة الأبناء الشرعية لمواجهة المصير وجها لوجه، فهذه الأشياء تدفع الطالب للقيام بسلوكيات عدوانية تجاه مصدر التوتر، ولأن مصدر التوتر بعيد المنال وفي حكم المحال فإنه ينقل العدوان من المصدر الأصلي إلى مصدر آخر، حيث تتم عملية إسقاط نفسي للعدوان ليجد مسارب أخرى للتفريج والتنفيس حتى لا يرتد على الذات فيضرها. قلق دافع الاختصاصية النفسية ميسون عبدالرزاق تؤكد أن قلق الاختبارات يعتبر حجر الزاوية في أشكال القلق «اتفق معظم علماء النفس والتربية على أن درجة مناسبة من القلق تدفع الطلاب نحو التعلم، فالقلق المعتدل لدفع الطلاب إلى الاستذكار والاجتهاد وهو ما يسمى بالقلق الدافع، بينما القلق الزائد يؤدي إلى حالة من الانفكاك المعرفي والارتباك، كما أن انعدام القلق يؤدي إلى ضعف الإنجاز، مشيرة إلى أن الدراسات العلمية أكدت أن قلق الاختبارات يشكل طاقة شعورية ولا شعورية للإنجازات العقلية التي تتيح تشكيل بصيرة الفرد وأهدافه أو قد يكون عائقا للعملية العقلية الأكاديمية في ضوء حدته ومستوياته، وبهذا قد يكون قلق الاختبار، أحيانا، عاملا مهما من بين العوامل المعيقة للإنجاز العقلي والأكاديمي بين الطلاب في مختلف مستوياتهم الدراسية. وتضيف عبدالرزاق «يعتمد الاختبار على خمسة أركان: الطالب، الأسرة، المادة، المعلم، العملية التربوية والتعليمية، وأي خلل في أحد هذه الأركان أو قصور في أداء الوظيفة سينعكس سلبا على الأركان الأخرى وسيحول فترة الاختبارات إلى فترة صعبة من القلق والتوتر وسينعكس على نتائج الاختبار، أما استعداد الطالب فيكون على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى قبل فترة الاختبارات وهي مرحلة طويلة الأمد تكون على مدار العام الدراسي وتكثف قبل الاختبار بأيام أو أسابيع قليلة، والثانية خلال فترة الاختبارات، والثالثة في قاعة الامتحان، ولكل منها مقومات أساسية لابد منها، وكلما استعد الطالب مبكرا وأتقن المرحلة الأولى من الاستعداد هانت عليه المراحل التي تليها». دور البطولة وحول دور الأسرة في المتابعة، تقول عبدالرزاق «انقسمت الأسر إلى قسمين، وكلاهما مخطئ في نظري، قسم أرخى وتساهل في المتابعة والتوجيه من البداية، وحينما حلت الواقعة زادوا الأمر تهويلا حتى أكدوا للطالب أنها فعلا حالة استنفارية وزادوا الطين بلة، والقسم الآخر بالغ في الحرص والتشديد والمتابعة أكثر من اللازم حتى غالوا في ذلك وكان الضحية فلذة كبدهم الطالب المختبر الذي أصبح شغله الشاغل الاختبار واستعبدوا ابنهم للكتاب واعتبرت الاختبارات مسلسلا مفعما بأحداث رعب يومية بدايتها أول الدراسة وآخر حلقة في الاختبار الأخير، وكان البطل في ذلك المسلسل هو الاختبار وهو المنتصر لأنه أخذ الدور البطولي وما كان يستحقه لولا أسرة متشددة وطالب مسير وليس مخيرا انتهى كلامه». وتستطرد «عموما للاختبارات رهبة، وتعتبر أزمة الاختبار من الأزمات الاجتماعية النفسية التي يتعرض لها الطلاب ومن الملاحظ أن معظم البيوت تعلن حالات الطوارئ رافعين شعار «فى بيتنا امتحانات» ومعها يحرم الطالب من كل ترفيه أو راحة وتزداد الضغوط النفسية عليه، مما يجعله يتعرض لشد عصبي قد يعجز معه عن أداء الامتحانات، يعاني الطلاب دائما أزمة أثناء فترات الاختبارات، فينتاب البعض منهم أعراض مرضية مثل المغص أو الإسهال أو الصداع أو القيء إلى غير ذلك، وفي معظم الأحيان هذه الأعراض تكون حادة وتستدعي الذهاب إلى الطبيب، وحينما يجري فحصهم يتبين عدم وجود خلل عضوي أو فسيولوجي يفسر هذه الأعراض». الخروج من الضغط الاختصاصي الاجتماعي جمعة الخياط يرى أن فترة الاختبارات تشهد تجمعات طلابية كبيرة بعد الانتهاء من الاختبارات ما يتسبب ببعض المشاكل بسبب تجمعات هؤلاء الطلاب، طلاب المرحلة الثانوية، نظرا لمرورهم في سن المراهقة والتي تعتبر أصعب فترة في حياة الإنسان، مشيرا إلى أن هذه تصرفات سلوكية سيئة غير مرغوب فيها سواء ممارسة التفحيط أو المضاربات وكذلك المعاكسات أو تمزيق الكتب الدراسية، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه التصرفات تكون بدوافع نفسية وشعور بالحرية والراحة «بعض الطلاب في نهاية كل اختبار يشعرون بخروجهم من كبت وضغط نفسي داخلي فتجدهم يمارسون بعض السلوكيات الخاطئة، وهذا لا مبالاة من قبلهم وسلوك أيضا للفت انتباه الآخرين فيجب على الأسر توجيه أبنائهم». إهمال الأبناء المعلم المتميز على مستوى محافظة رجال ألمع لهذا العام والحاصل على ثلاثة أوسمة شرف من وكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء، حسن عسيري يتتبع المسار النفسي للطلاب خلال فترة الاختبارات «يفترض أن يكون الطالب مستعدا وجاهزا للاختبارات خاصة بعد أن أصبح يختبر المادة نهاية كل وحدة أو فصل من المقرر، حيث إن الطالب عندما يختبر كل وحدة على حدة طوال الفصل الدراسي من المفترض أن يكون لديه إلمام تام بكل فصل أو وحدة مسبقا». ويضيف «دور الأسرة هو المتابعة والتوجيه وتوفير المناخ المناسب والملائم للطالب أو الطالبة لكي يستعيد ما تم دراسته بجو هادئ بعيدا عن الضغوط التي قد يسببها بعض أولياء الأمور، لاسيما أن البعض يهمل ابنه طوال العام ثم بمجرد بدء فترة الاختبارات يحول كل الأجواء المحيطة بالطالب إلى أجواء طوارئ مما يسبب ضغطا نفسيا على الطالب وذلك يفقده التركيز والتذكر، حتى إن بعض أولياء الأمور للأسف لا يعلم ما هي المرحلة التي يدرس بها ابنه، ولكنه اعتاد أن يجعل فترة الاختبارات فترة طوارئ فقط، وهذا يشكل عبئا للطالب وضغطا يفقده التركيز في المذاكرة والاسترجاع». ويشير عسيري إلى أن أبرز المشاكل التي تعانيها المدارس من طلابها تتمثل في: تعدد وسائل الغش، الاعتداءات والمشكلات التي قد تتسبب فيها فترة الاختبارات، التفحيط بعد فترة الاختبارات، السهر من قبل الطلاب وقد يأتون للمدارس متأخرين أو تفوتهم الاختبارات دون عذر مقنع بسبب السهر المتواصل، انتشار الكتابات على مباني المدارس رمي الكتب وتمزيقها وعدم الحفاظ عليها مع العلم أنها تحتوي على اسم الله ورسوله وآيات قرآنية لا يجوز إهانتها .