مشاعر حزن ممزوجة بفرح، هذا التناقض سببه الفقد من ناحية والشهادة دفاعا عن الوطن من ناحية أخرى، هذا ما كانت عليه أمس أسرتا شهيدي الواجب العقيد عبدالجليل بن شارع العتيبي والرقيب براك بن علي الحارثي، اللتين استقبلتا المعزين في الرياض والطائف، فيما التفت أسرة المصاب الرقيب عبود بن فالح الأكلبي حوله في مستشفى بشرورة «جنوب المملكة» داعين الله أن يمن عليه بالشفاء العاجل. الأبطال الثلاثة هم رجال من «حرس الحدود» الذين قتل اثنان منهم وأصيب الثالث بالقرب من قوة مراكز الوديعة بمنطقة نجران، عندما حاولوا منع متسلل من الوصول إلى الأراضي السعودية، إلا أن الأخير كان مسلحا حيث بادرهم بإطلاق النار بكثافة عند اقترابهم منه من سلاح رشاش كان يحمله مستغلا ظلمة المكان، وتخفى بعد ذلك مستغلا وعورة المنطقة إلا أنه قتل إثر تلك المواجهة. وزارة الداخلية أعلنت أمس في بيان رسمي أنها فتحت ملف التحقيق في القضية وذكر المتحدث الأمني أن «دوريات حرس الحدود في قوة مراكز الوديعة بمنطقة نجران رصدت بعد منتصف ليلة الثلاثاء أحد الأشخاص أثناء محاولته التسلل من المملكة إلى الحدود اليمنية عبر الحواجز المعدنية والترابية الفاصلة باستخدام سيارة جيب رباعية الدفع حيث بادر بإطلاق النار بكثافة على رجال الأمن عند اقترابهم منه وذلك من سلاح رشاش كان يحمله مستغلا ظلمة المكان ما نتج عنه استشهاد العقيد عبدالجليل العتيبي والرقيب براك الحارثي وإصابة الرقيب عبود الأكلبي». وأضاف: «تمكن رجال الأمن من متابعته أثناء استمراره في محاولة التسلل مستغلا طبوغرافية وبيئة المنطقة وقربها من منفذ الوديعة الحدودي الذي لجأ إليه تحت ستار النيران الكثيفة التي واصل إطلاقها على رجال الأمن باستخدام كمية كبيرة من الذخيرة التي كان ينقلها معه، حيث أدى تبادل إطلاق النيران معه إلى مقتله». هناك في حي الروضة «شرق الرياض» وقف مشعل بن عبدالجليل العتيبي وقفة شموخ وكبرياء لاستقبال مئات المعزين في والده الذي يقول إنه يكفيه فخرا تقديم روحه فداء لوطنه. مشعل العتيبي الابن الأكبر للعقيد الفقيد كشف أن والده أب لأربعة أبناء وثلاث بنات، متزوج امرأتين منفصل عن إحداهما وهي والدته، مضيفا أن شقيقيه ماجد وطلال الأول موجود في بريطانيا لإكمال دراسته العليا والثاني في أمريكا حيث أرسله والده لدراسة الطب على حسابه الخاص، اما الشقيق الأصغر «شارع» فهو يدرس في الصف الثاني الثانوي، أما هو فعاطل عن العمل ويحمل دبلوم شبكات في الحاسب الآلي. وكشف مشعل ل«شمس» التي حضرت العزاء أمس تفاصيل المكالمة الأخيرة التي دارت بينهما أمس الأول ويقول: «لم أكن مرتاحا بعد إغلاق الهاتف، كان يراودني شك حول وقوع أمر لا أعلمه، فقد حدثني والدي بضرورة التلاحم مع الأسرة والاهتمام بها ومتابعة أحوال أشقائي خاصة طلال المبتعث حديثا إلى أمريكا، طلب مني مساعدته على التأقلم في حياته الجديدة من خلال الاتصال عليه والتواصل التقني معه وحثه على الجد والاجتهاد». وتابع: «على الصعيد الشخصي كنت لا أرغب في العمل عسكريا، لكن بعد استشهاد والدي لدي رغبة حقيقية في الالتحاق بأي عمل عسكري خدمة لهذا الوطن ودفع من يتربصون به ويقصدون النيل من أمنه وأمانه». وأبلغ سعد بن شارع العتيبي شقيق المتوفى «شمس» أن الفقيد رفض نقله إلى المستشفى بعد إصابته للمرة الأولى في فخذه، وقال: «سائق السيارة عرض عليه نقله إلى المستشفى لكنه رفض وطلب الاستمرار، وترجل من المركبة فكانت رصاصة الغدر أسرع إلى صدره». ويضيف أن شقيقه عائل لوالدته المعاقة ومتواصل بشكل يومي معها عبر الهاتف، مضيفا أنها تعاني صدمة شديدة نتيجة تلقيها خبر وفاته، في وقت كان يفترض أن يكون بين عينيها حيث بدأت إجازته الرسمية أمس، وكان يفترض أن يعود أمس إلى الرياض لكنه عاد بلا روح». وبين أن شقيقه خدم في المديرية العامة لحرس الحدود قبل أن ينتقل إلى المنطقة الشرقية التي عمل فيها فترة طويلة، وتم تكليفه رئيسا لمركز الوديعة منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وشكر العتيبي القيادة الأمنية التي اتصلت على أسرته وقامت بمواساتها. وذكر شارع الابن الأصغر للعقيد العتيبي أنه تلقى الخبر من والدته عند العاشرة صباحا بعد أن تم إخبارها من قبل أشقائها، مضيفا أنه فخور لاستشهاد والده، وقال: «والدي توفي وهو يذود عن حمى الوطن، ورغم حزني لفراقه إلا أنني فخور به». مضيفا: «أحب العمل العسكري ولدي رغبة في الالتحاق به بعد تخرجي». وذكر زوج شقيقة المتوفى المهندس سعود بوخشيم أن والدته طلبت منه أن يقدم نقلا ليكون قريبا منها إلا أنه رفض ذلك، مضيفا أن لديه إصرارا وحبا لعمله جسده استشهاده أثناء أدائه واجبه تجاه دينه ووطنه: «يمتلك صفات الصرامة والإصرار، وهو من أحن الناس تعاملا مع الضعفاء والمساكين». وذكر محمد السبيعي ابن شقيقة المتوفى وزياد الزايدي ابن خالته أن وفاة العقيد عبدالجليل أمر يدعو إلى الفخر، وشكر المسؤولين لوقفتهم الصادقة ومواساتهم لهم في هذا المصاب. وفي اتصال هاتفي مع أحمد بن علي الحارثي شقيق الشهيد الرقيب براك الحارقي أفاد بأنه متزوج ولديه أربع من البنات واثنان من الأولاد، ولا يملك منزلا وكان في أيامه الأخيرة يعاني كثيرا بسبب الديون التي تراكمت عليه، مؤكدا أن عائلته صابرة وراضية بقضاء الله وقدره، مشيرا إلى أنهم فجعوا عندما وصلهم خبر استشهاده لكن ما يخفف من المصاب هو أن الفقيد دفع روحه فداء لوطنه