كانت سمة من سمات التليفزيون والإذاعة في فترة أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات هي سيطرة أصحاب الحناجر الفخمة على البث المرئي والمسموع، وكان عندما يدور الحديث عن نشرات الأخبار عبر «المذياع»، فإن أول ما يتبادر بالأذهان نجوم ارتبط بهم المستمع على الرغم من أنه لم يرهم في يوم ما، ولكنهم نجوم لا بد أن يمنحهم جزءا من وقته اليومي، مثل ماجد سرحان، وهدى رشيد، وجميل حداد، وغيرهم. وكان مذيعو النشرات هم نجوم الشباك في الفترات المتقلبة سياسيا واجتماعيا في الوطن العربي، وجزء مهم في تشكيل الثقافة الإذاعية، ورسم صورة نمطية للإذاعة علقت في الأذهان من خلال الأسلوب والصوت الخطابي.. فمفردة «هنا لندن» التي تأتي بعد نغمات ساعة «بيج بن» طالما علقت في مسامع «شباب» تلك الحقبة. ومن شدة تأثر المستمع في تلك الأيام بنشرات الأخبار التي كانت كل همه، فإنه من الصعوبة أن تقنعه برأيك الذي أتى مخالفا لما سمعه من ماجد سرحان في صبيحة ذلك اليوم. في التسعينيات الميلادية بدأ المستمع السعودي يعيش مرحلة جديدة عبر الأثير واقترب من إذاعات الترفيه التجارية، التي كسرت في داخله الصورة السائدة، وصار المذيع أقل تكلفا ورهبة لدى المستمع، ولم تعد حنجرته مخيفة، وأصبحت البرامج تفاعلية بنسبة كبيرة، وخاضعة لجوانب ترويجية، واستمر هذا الخط بوتيرة متذبذبة إلى وقتنا هذا. في الأيام الماضية بدأت الإذاعات الجديدة، ولم تستطع هذه الإذاعات خلق ثقافة استماعية مختلفة برؤية خاصة مميزة عن التجارب السابقة، وتستقطب المستمع الذي هجر الإذاعة، وتستفيد من تجارب الآخرين، لأن الجيل المتفتح في المرحلة الجارية بحاجة إلى صوت يسكن بداخله في الأعوام المقبلة بمفردة تعكس انتماءه الوجداني للإذاعة على وزن.. «هنا الرياض».