«هل عاد قاسم أمين؟» كتاب يثير فيه المفكر والداعية خالد بن ثامر السبيعي جملة من المحاذير يراها خطيرة من واقع أنها قد تعيد الأفكار التي روجها قاسم أمين عن تحرير المرأة إلى المجتمعات الإسلامية التي بدأت تتداول شيئا من هذه التعاليم في ظل ترويج إعلامي مفضوح، على حد قول السبيعي. تخوف السبيعي من إعادة إنتاج هذه الأفكار وانتشارها، دفعه إلى تأليف الكتاب لتحليل البيئة الاجتماعية التي برزت فيها أطروحات «أمين» والظروف التاريخية التي هيأت لرواجها، وهي محاولة من المؤلف لإيقاف هذا المد الخطير، كما يعبر في هذا الحوار: لماذا اعتمدت على كتب منتقدي قاسم أمين ابتداء ولم تعتمد على كتاب قاسم أمين نفسه؟ الحقيقة أنني بحثت عن نسخ من كتب قاسم أمين، خاصة كتاب «تحرير المرأة» فلم أجد نسخة منه، واضطررت إلى البحث عن كتب تكشف شخصية الرجل وتحكم على مؤلفاته، وكان هناك أكثر من كاتب وكتاب، واعتمدت على المتجردين في أطروحاتهم مثل الدكتور محمد جابر الأنصاري، في كتابه «تحولات الفكر والسياسة في مصر ومحيطها العربي»، الذي تكلم عن فكر أمين بتجرد، وأخذت منه كلاما شبيها بما اتفق عليه الجميع. وهذا لم يضعف الكتاب وإنما هناك شبه إجماع على فكر الرجل وآثاره، فأمين أصبح علما في تحرير المرأة، وأنا لم أوغل في الحديث عن الرجل وفكره العام، وإنما اكتفيت بفكره المختص بتحرير المرأة. هل هو ذنب الرجل حين تفسر هدى شعراوي رأيه كما تشاء؟ أنا أضفت هدى شعراوي كإفراز وأثر لقاسم أمين، والكتاب يتكئ في إبراز المنهج التوفيقي وكونه فرعا تغريبيا لمنهج محمد عبده، كما ذكر محمد جابر الأنصاري في كتابه «تحولات الفكر والسياسة»، وأنا لم آخذ أنموذج هدى شعراوي وإنما حكمت عليه من كلامه ونصوصه التي أوردها. مثلا يقول «في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأنه لا وطن ويكفر بالله ورسله، ويطعن في شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم، ويقول ويكتب ما شاء في ذلك، ولا يفكر أحد أن ينقص من احترامه لشخصه». كيف يكون قوله هذا صادرا عن نية حسنة واعتقاد صحيح؟ وكم من الزمن يمر على مصر قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية؟ وهذا مقطع يسير وخطير وفضفاض وهو تمهيد للاختراق الذي كان يرمي إليه، ويقول بعد ذلك إن نيته حسنة، فكيف يكون ذلك؟ ولا يستطيع أحد أن يتهمني بأني متحامل عليه، لأن لدي حشدا من الكتاب، كلها تجمع أن لديه فكرا تغريبيا تلفيقيا لتحرير المرأة، منهم سلمان العودة، ومحمد قطب والأنصاري، وغيرهم من الكتاب، ومحمد جابر الأنصاري هو الدرع الذي أضعه أمامي لدفع ما قد أتهم به، ويمكن العودة إلى نصوص نقلتها عن محمد جابر الأنصاري، وأنا مستغرب من هذا السؤال، لأنه ليس من المعقول أن أحكم على قاسم أمين من خلال نموذج هدى شعراوي فقط. ألا ترى أنكم تحاولون تحميل بعض النصوص ما لا تحتمل.. أتحدث هنا بشكل عام؟ هناك فهم معين يفهمه كل أحد عن أي نص، أحيانا يكون موافقا للفهم الذي عناه الكاتب، وأحيانا لا يكون، وهذا يعتمد بدرجة أولى على سهولة اللفظ والفكرة وطريقة عرضها وبسطها، هذا أولا، ثانيا أنا أحاول أن أفهم ما المشكلة إذا فسرت أي نص وأي حديث حسب إرثي الفكري، وأحاول أن أحتاط حتى لا يستخدم هذا النص أو ذاك من أجل تمرير فكرة، وبشكل عام بإمكان من أراد أن يدافع عن فكرة قاسم أمين أو غيره، المجال مفتوح وعند تبيان الخطأ في الفهم، يمكن في هذه الحالة أن يتراجع الإنسان، لكن يطلب مني أن أفهم النص وفق سياق محدد، فهذا فيه تجن كبير على الفكر والعقل. انتقدت العقلانية.. مع أن هناك عددا من العلماء اتجهوا إلى إعمال العقل في النصوص؟ هناك فرق شاسع، فأنا لم أتكلم عن مدرسة الرأي والمجتهدين ومن يملكون أدوات الفتيا والاجتهاد، فأولئك يتكئون على الموروث الشرعي العظيم، وإنما الحديث يتوجه إلى المثقفين الذين ليس لديهم قاعدة شرعية، ثم بعد ذلك يدلون بآرائهم ويحكمون عقولهم في الدين والشريعة وحاجات الأمة الإسلامية! وهذا مرفوض، والفرق واضح. ليتحدث هؤلاء عن الواقع العربي، ويتحدثوا عما شاؤوا، لكن خارج حمى هذا الدين لأن الدين لا يمكن الحديث عنه أو فيه دون وجود خلفية شرعية وأدوات تمكنه من ذلك، وهناك مثلا الإمام ابن حزم إمام المدرسة الظاهرية، خالف الإجماع في كثير من الآراء ومع ذلك يبقى عالما من علماء الأمة ويؤخذ من قوله ويرد، وكتابه من أعظم الكتب، وابن حزم اختلف كثيرا عن أبي حنيفة في آرائه التي طرحها ومع ذلك قبلت لأنه أهل للاجتهاد والتمحيص والأخذ والرد، وليتهم أعملوا عقولهم في الحضارة والتنمية التي يطنطنون حولها أعواما عديدة، وليتهم يساهمون في تنمية الأمة بدلا من هذا الخوض فيما لا يحسنون. عظمت أمر الإجماع كثيرا.. فهل يعني ذلك أن الأكثرية هي التي تغلب؟ وإذا كان هناك استثناءات لماذا لم تعتبره من المستثنين؟ على الإطلاق.. لا أرى أن الأكثرية هي التي تغلب.. قد يكون هناك استثناء معتبر، مبني على العلم الشرعي وليس له أهداف خفية ولا طموحات شخصية، وآثاره واضحة ومرئية، هنا قد يؤخذ به إذا استحسنه عقلاء القوم وأهل الفن والاختصاص، وليس من المعقول أن يأتي استثناء دون أن يمر على أهل العقل والدين، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وربما كان هناك استثناء، مثلا موقف الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، وهناك من رأى أنه يمكن أن يعرض، ومع ذلك بقي الإمام أحمد رحمه الله على قوله مع أنه كان وحيدا، وفي قضية قاسم أمين بالذات، الاستثناء هنا فاسد للاعتبارات المذكورة سابقا، أولا أن الرجل لا يتكئ على قاعدة شرعية، وأن العلماء في زمانه والعقلاء استهجنوا هذا الطرح، وردوا عليه بالحجة والبرهان، وثالثها آثاره السيئة على واقع المرأة في مصر، ولذلك الاستثناء فاسد ولا يجب أن يكون . كيف ترد على من يقول إنك استخدمت اسم قاسم أمين لتسويق كتابك؟ أولا أنا مؤمن إيمانا كاملا أن هذا علم ينبغي للإنسان أن يبتغي وجه الله فيه، فليس في أدبياتي استغلال الدين لمجد شخصي، ثانيا: العبرة ليست باسم قاسم أمين وإنما بالفكرة، والفكرة تقوم على حماية الفضيلة، وحماية المرأة في بلاد الحرمين من فكرة بدأت في الوصول إلى بيوتنا ومجتمعاتنا، فكان الرابط هو قاسم أمين وأتباعه الجدد، وحتى لا تتكرر هذه الفكرة، وأنا أعترف أنني اهتديت إلى هذا الاسم من أجل أن يقرأه الناس، وليكن ذلك، لا مشكلة لدي. ومن هو قاسم أمين الذي تقصده اليوم؟ هو كل من سار على طريقة قاسم أمين وكانت له الأهداف ذاتها لتحرير المرأة في السعودية على وجه الخصوص، لأنهم يسلكون الطريقة نفسها، ويرتدون ثوبا وغترة، أي هنداما إسلاميا بشكل عام، وهناك من يعرف كيف يصل ومتى يصل عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، وبعضهم يسير في ركب هذه القيادات، يبحثون عن المجد الشخصي والشهرة والمال، حتى لو كان على حساب الدين والقيم