منذ الصغر ونحن نتلقى وندرس ونحذر من الوقوع في خطأ الكذب، فالويل.. الويل لمن يقع فيه، فالكذبة بمثابة الجريمة التي لا يغتفر لفاعلها، لكن في زمننا هذا الذي أبيح فيه المحرم وأصبح الخطأ في أحيان كثيرة منطقيا فإن برنامج «لحظة الحقيقة» الذي تعرضه شبكة «إم بي سي» على إحدى قنواتها هو امتداد لعجائب هذا الزمن التي غيرت أخلاق تربينا عليها عقودا من الزمن لأجل اللهث وراء إثارة غير مباحة ورخيصة جعلت من قول الحقيقة الجارحة إثارة، وتميزا وإعجابا. يحضر المتسابق مع عدد من عائلته ويسأل أسئلة خاصة وعائلية، وفي كثير من الأحيان أسئلة جارحة لهذه العائلة، ثم يطلب منه أن يجيب إجابة صادقة وهو تحت جهاز يختبر مدى صدقه، كل هذا لأجل ألوف الريالات في انتظاره. فمثلا قد يسأل أمام والديه «هل كنت تتمنى عائلة أفضل من عائلتك؟» فبكل تأكيد فإن الإجابة المرجوة والمتوقعة هي «نعم» حتى نصل للتشويق الذي يهدف له البرنامج متجاهلين مشاعر هذه العائلة أو حتى الفكرة التي يروج لها البرنامج، فحين تستخدم الحقيقة لإظهار حقائق مؤلمة وتفاصيل دقيقة لهذه العائلات وأمام مرأى العالم العربي بأسره كأسلوب رخيص لجذب المشاهدين، حين تستخدم الخصوصيات العائلية والمشاكل الخاصة لجذب عدد أكبر من الإعلانات أعتقد أن الكذب هنا يكون فضيلة وفيه مراعاة للعائلات ومشاعرهم واحترام للروابط الأسرية، وأفضل من قول الحقيقة بذاتها أن كل هذه الأفكار والأساليب تتسرب لأبنائنا بطريقة لا ندرك مخاطرها ولا أهميتها! وإن تجاهلنا وأغفلنا أعيننا عن فكرة البرنامج لن نغفل عن كونه استنساخا أعمى لبرنامج أجنبي بنفس الطريقة والأسلوب، لكن هذا هو حال استنساخ فضائي عربي دائم ومستمر لبرامج غربية أجنبية، مما يؤكد فقر استحداث وابتكار أفكار جديدة مشوقة متناسبة مع أخلاقنا وطابعنا الشرقي المحافظ، فالعملية لا تعدو نسخا ولصقا على شاشاتنا بلغة عربية فقط وبطريقة مملة ومكررة، فأصبحت صبغة دائمة لهذه الشبكة التي تسيطر على فضائيات الجو رغم كل الملل والتكرار الذي تبثه.