«حريتك في عينيها.. أنت مثلا لا تسأل: لماذا هذه القوة التي تجدها عندما تتحدث إليها دون فقرات فاصلة كدعايات قناة إخبارية في منتصف الثورة؟. أنت ثائر ذلك البلد ومجنونها في آن. أخبرتك مرة أنها قصت شعرها خمس مرات منذ عرفتك، ومع أنها لا تدري عن السر إلا أنك تخفي أوهامك عنها: تقول إحدى أشجار قريتنا إن جوادا بلون الفرح كان يجدل غيمة على باب فرس تواطأت معه على أن يغفرا للأمطار قسوتها، كل يوم ينثران خصلة شعر من جسديهما لبناء معراج نحو الغيوم، وحين اقتربا من تحقيق ما يريدان كان الشتاء قد حل، انهمرت أمطار بطعم البرد، لم تغفر لهما عريهما الملائكي، فجفا تحت وابل المطر حتى أصبحا أغنية». ... حربك على غدك في عينيها.. بصدورهم العارية يأتون إليك: في زاوية ما عليك أن تكون رصاصة، أن تقتل موسيقى تعجبها، أن تغتال طفولتها التي تنكرها وهي ترتبك قريبا منك، أن تصبح محاربا ومجنونا في آن كي تمنحك معراجا جديدا نحو الغيم. فقط أنت وهي تعترفان بأن ما تفعلانه معا لا يخضع لتبريرات من أي نوع، وأن عليكما أن تكونا دائما كنهر معزوفة تضل كلما اهتدى إليها طريق. ... من سيستسلم أولا. قيل لعابر سبيل إن طريقه التي يوشك أن تسلكها لا تفضي إلى شيء ولا يرجع من يصر على المضي فيها، لكنه كان مجنونا إلى درجة أن لا يعود: «إذا لم أسلك هذه الطريق فإنني سأعود من حيث أتيت»، قرر أن يمضي قدما. ما الذي يمكن أن نتوقعه من الكسالى خلفه؟. قاموا، ربما، بالرهان على أنه لن ينجو. ولأن أحدا منهم لا يسلك طريقا محفوفة بالفقد، ولكون العابر لا يؤمن بالتراجع، بقيت رهاناتهم معلقة. ... «فقط، أريد الحلم، لا تتورطي معي في الوعود، منذ ولادتي أهرب من الوعود لأنها قيد. أن أتعلق بحلم يجعلني ذلك كعطر خرج من قمقمه وتحول إلى شظايا من زجاج لا يجرح». هكذا كان يقول، ويضيف: «الوعود مشنقة الحب، ورصاصة القصائد الممطرة». ... أدرك أخيرا أن أسوأ سجان للإنسان هو أوهامه، وأن أسوأ حرية هي ما يمنحها إياه الآخرون..