حذر خبراء من أن ندرة الأغذية غير المسبوقة في عدة أنحاء من الكرة الأرضية قد بدأت بالفعل تفرض قواعد نظام سياسي جديد تعنى فيه كل دولة بتأمين إمداداتها الغذائية مع عدم الاكتراث ببقية دول العالم. واجتمع الساسة في قمة الغذاء بالعاصمة الإيطالية روما، يونيو الماضي، لإيجاد حلول عالمية لارتفاع أسعار المواد الغذائية والاضطرابات الناجمة عن نقص الغذاء، لكن كثيرا من الدول تعمل في الواقع من جانب واحد لتأمين إمداداتها الغذائية في المستقبل دون الاكتراث بغيرها. يرى كثيرون أن هذه التوقعات ليست جديدة، حسب وكالة إنتربريس سيرفس. فقد سبق أن شرح مؤسس معهد سياسة الأرض ليستر براون، في بكين منذ بضعة أشهر، أن أحدث مظاهر انعدام الأمن الغذائي الوطني وعلى رأسها القيود التي تفرضها بعض الدول المنتجة للحبوب على صادراتها، هي مؤشرات غير مطمئنة على بداية «فصل جديد في كتاب الأمن الغذائي العالمي. وأكد «إننا في خضم أشد أزمة الغذاء في تاريخ العالم، وأن الأمر لا يتعلق بأزمة نقص غذائية عابرة وإنما بوضع غذائي عسير ومزمن، بل وبمشكلة خطيرة وطويلة الأمد». وتتدافع هذه الدول على إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية لشراء أو استئجار الأراضي لزراعة المحاصيل وإطعام شعوبها. وكانت الصين قد أخذت بزمام المبادرة بالتعاقد على الأراضي في تنزانيا، لاوس، وكازاخستان، والبرازيل وغيرها. وتوجهت الهند إلى أوروجواي وباراجواي لنفس الغاية، في حين تبحث كوريا الجنوبية عن صفقات زراعية في السودان وسيبيريا وتركز مصر على اتفاقيات لاستئجار الأراضي في أوكرانيا. وعلق براون قائلا إن المخاوف تكمن في أن «أكثر دول العالم نفوذا ستكون قادرة على تأمين إمدادات الغذاء، تاركة ذوي الدخل المنخفض والدول الأقل نفوذا دون غذاء تستورده». وأضاف أن هذا يمكن أن «يخلق العديد من البلدان اليائسة». وتشير إحصائيات الأممالمتحدة إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والحبوب الأخرى قد يؤثر في نحو 100 مليون من أفقر سكان العالم. وفي آسيا على سبيل المثال، تضاعفت أسعار الأرز ثلاث مرات تقريبا هذا العام وحده، ما يثير القلق لدى الحكومات من عواقب عجز الفقراء عن شراء احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وبالفعل، اتخذت الهند وفيتنام وإندونيسيا والصين خطوات محددة لتقييد صادراتها الغذائية بغية حماية مستهلكيها المحليين. وشهدت الصين هذا العام أول عجز لتجارة الحبوب منذ عقود وألغت دعمها لصادرات القمح والذرة والأرز وفول الصويا، مع البدء في فرض رسوم التصدير من 5 % إلى 25 %. كما أصبح دور الصين بصفتها أكبر منتج للحبوب في العالم وأكبر مستهلك لها أيضا على وجه الأرض، موضع رصد ومراقبة دقيقة. وينظر الساسة إلى الصين بقلق حيال التداعيات الهائلة على أسواق الحبوب العالمية التي قد تترتب على أي تغيير في السياسة الصينية في مجال تحقيق الاكتفاء الذاتي. يشار إلى أن الصين أنتجت عام 2007 أكثر من 500 مليون طن من الحبوب، بما يقارب استهلاكها المحلي السنوي البالغ 510 ملايين طن وفقا للإحصاءات الرسمية. وتعهد المسؤولون الصينيون بالمحافظة على استقرار إنتاج البلاد من الحبوب بما يتجاوز 500 مليون طن سنويا لمواجهة ارتفاع أسعار الحبوب العالمية. وفي العام الماضي، استوردت الصين 31 مليون طن من الحبوب أغلبها من فول الصويا، أي 22 مليون طن أكثر مما صدرته منه. وبهذا ضحت الصين باكتفائها الذاتي في فول الصويا من أجل الحفاظ على الأراضي والمياه لصالح محاصيل أخرى، وفقا لبراون .