قدمت هوليوود عشرات الأفلام عن مهنة المحاماة وخفاياها، لما تشكله هذه المهنة من عقد محورية تدور حول السلطة القضائية، ولما تحمله من جوانب ناصعة تنتصر للمظلوم، وإحالات على القضايا التي تفسد فيها الأمور وفساد المحامين. وفيلم «المحامي لنكولن» لا يغرد خارج السرب، بل يقدم بحثا جديدا في متاعب هذه المهنة مع رؤية عامة لمجمل الوضع المجتمعي من تفشي الفساد وسيادة ذوي الجاه وتأثيرهم، وعن مفهوم الظلم والبراءة والصراع بين الحق والباطل. خبطة العمر كادت أن تبدد عمره تدور أحداث الفيلم في مدينة «لوس أنجليس» الأمريكية حيث يقيم الشخصية المحورية «ميك هالر» الذي يعمل محاميا دفاعا في القضايا الجنائية لحثالة المجرمين، وستبين الأحداث أن «ميك» هو رجل فاشل في حياته العاطفية الأسرية، لكنه ناجح في حياته العملية التي يديرها من المقعد الخلفي لسيارته «اللينكلون» حيث يقضي معظم وقته. ومن هنا تتطور الأحداث وتتسارع لتتكشف حبكة الفيلم حين يعرض عليه أن يتولى الدفاع عن قضية يكون المتهم فيها هو «لويس روليت» الشاب المستهتر من بيفرلي هيلز، وابن عملاق العقارات «ماري وندسور» الذي يتهم بجريمة اغتصاب وبالضرب الوحشي المعادل للشروع في القتل لإحدى بنات الهوى تدعى «لويس». وهكذا لن يفوت «ميك» الفرصة وهو يرى أن القضية في غاية الوضوح والسهولة واليسر، فادعاءات «لويس» بملابسات الحادث غير مقنعة، وكذلك الأدلة التي تؤيدها، فيتضح أمام «ميك» أن روليت بريء، وأنه كان في المكان والوقت الخطأ لا أكثر، وخصوصا حين يدعم هذا الاستنتاج المحقق «فرانك ليفين» بعد أن يحللا الصور والأدلة، حيث تحمل هذه القضية تشابها مع قضية أخرى تولاها «ميك» سابقا، وكانت سببا في الخلاف والشقاق بينه وبين زوجته السابقة، المدعية العامة «ماغي مكفرسون» التي لم تقدر جهود هالر بالدفاع عن المجرمين، فهي ترى أن مكانهم الطبيعي وراء القضبان، وهو ما سنشهده في أحد لقاءاتهم وخلافهما حول جدوى الاعتراف بذنب لم يقترفه الإنسان لمجرد تخفيف العقوبة. وهكذا تمضي القضية ومشاهد المحكمة والاستجوابات، لكن الدنيا ستنقلب رأسا على عقب حين يعلم «ميك» أن موكله ليس بريئا، بل هو شخص مازوخي يتلذذ بتعذيب الآخرين، حيث سنبقى مع مشاهد من الترقب والمطاردات حين يبدأ «لويس روليت» في تهديده ومطاردة أسرته، ثم بتوريطه في جريمة! بين الأصل الروائي والمعادل البصري سيناريو الفيلم الذي حوله السيناريست «جون رومانو»، مقتبس بالأصل عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكي الشهير الصحفي «مايكل كونيلي» الذي حققت كتبه ورواياته التي تدور حول عالم الجريمة مبيعات مرتفعة، واستلهمت السينما الكثير منها لتقدمها في عوالم الشاشة الفضية. لكن فيلم «المحامي لنكولن»، وإن كان يعد اقتباسا أمينا للرواية، فقد مني بداية بخسارة العملاق «تومي لي جونز» الذي كان من المقرر أن يتولى إخراج الفيلم والاشتراك في التمثيل، إذ كان من المفترض أن يلعب دور سائق السيارة، لكنه انسحب بعد خلافات كبيرة مع الجهة المنتجة، فتولى المخرج الشاب «براد فورمان» تلك المهمة حيث قدم رؤية بصرية شديدة السبك وبحرفية عالية، وخصوصا في توظيف حركة الكاميرا واللقطات القريبة في مشاهد السيارة، واللقطات الواسعة والقريبة والتبديل بينهما بتناغم خلاب في مشاهد المطاردات والإثارة، ثم التوظيف المدروس لاستخدام الموسيقى التصويرية ومرافقتها للحدث الدرامي، مثل موسيقى «البلوز» وبعض المقطوعات التي وضعها «مارتن كريستوفر» و«آلان مايكل». وركز «فورمان» على نجومية الممثلين وخصوصا «ماثيو ماكونهي» الذي تألق في تجسيد دور المحامي ميك، و«رايان فيليب» في دور الشاب المستهتر الغني الفاسد. لكن استطلاعات الجمهور في أمريكا وأغلب آراء النقاد تكاد تجمع على الهزيمة النكراء التي تعرض لها الفيلم مقابل سلطة الكلمة الروائية وعوالمها التي سيطرت على الجمهور .