لا شك أن الإنصات لغبي أو مشوش لا يتقن التعبير، بمثابة امتحان لصبر لست مأجورا عليه، كون الدقائق تقتات على أعصابك وتقربك من لحظة الانفجار، ويمكنك أن تخفف عن نفسك بأن تحمد الله على نعمة الفهم. في المقابل أنت محظوظ جدا بلحظات تقضيها مع مصدر يجعلك مزدحما بالأسئلة، حتى وإن ضيق الخناق الثقافي والمعرفي على عقلك، وحشرك في زاوية الشك، يكفي أن يحفز فيك غريزة البحث والاكتشاف، التي هجرها من رضي بالمنقول بإذعان واطمأن إليه، فمنح عقله إجازة مفتوحة لأجل غير مسمى. ولا شك أن القلم مصدر قوي لزعزعة الأفكار والنظريات، وأحيانا حتى ما سلم به وانتهى الجدل منه بقناعة كانت أو استسلام، يبقى سلاحا فتاكا لقلب الموازين، لذا كانت معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كتابا منزلا دلالة على أن البقاء للكلمة، والتحدي القادم إنما يكون بها. مما يطرح السؤال، هل نحن حقا لا نحب القراءة؟ أم أن الموجود لا يسد الرمق! ولا يثير العقول لتتحرك وتفكر، وترفض وتقبل، فعندما تكثر كتب التلقين، يتعطل العقل وتنشط رغبات الجسد لتكون الكتب الرخيصة والممنوعة تتصدر قائمة الطلب. فلا عجب أن يزداد عدد زوار متحف اللوفر 7.5 مليون زائر، وفي اسكتلندا وصل عدد زوار كنيسة روسلين 117 ألف زائر خلال عام واحد من إصدار رواية «شيفرة دافينشي» للكاتب الماكر دان براون عام 2005، وهي أبرز الأماكن التي دارت فيها أحداث روايته التي أتقن فيها تخدير العقل الواعي من خلال الأحداث والألغاز المثيرة، ومن ثم زرع الأفكار والشكوك والخزعبلات في عقل المتلقي! والغريب أن دان في كل رواياته، يعيد الكرة بعد أن فهم قوانين اللعبة والقراء ينساقون له بذات الشغف، بغض النظر عن نزاهته وتوجهاته وأهدافه. وفي إحصائية نشرتها مؤسسة الفكر العربي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في بريطانيا وحدها! لذا أعتقد أن لدينا أزمة محتوى، «وسماجة» عرض، بدليل ازدحام الأرفف بالكتب التي تعرف خاتمتها من عنوانها.