ربما لم يهنأ لي بال منذ زمن طويل للاستماع إلى أغاني أبو نورة كما حدث في سفرتي هذه التي أكتب لكم أسطرها من هانوفر في ألمانيا. بعد زواجي قل استماعي للأغاني بشكل كبير لأني لم أعد أسير وحدي في السيارة كما هو حال حياة العزوبية، إضافة إلى ضعف المنتجات الموسيقية خلال الأعوام الأخيرة التي وصل فيها مستوى الغناء إلى الحضيض. «آيفوني» رفيقي الغالي والنفيس وضعت في «آيبوده» غالبية أعمال محمد عبده وقسمتها لقسمين «موسيقى والثاني جلسات العود» واكتشفت بالمناسبة من خلال إحصاءات الآيتونز التي تظهر كم مرة شغلت هذه الأغنية وكم مرة كررت تلك بأني أحب الأعمال «غير النقية تسجيليا» التي يغني فيها محمد عبده بالعود وبمرافقة الإيقاع وظهر لي أيضا أني بالكاد أسمع لجلساته التي سجلها ضمن ألبومات «شعبيات» التي يسجلها في استديوهات صوتية وتعالج تقنيا قبل طرحها للسوق. تعجبني الجلسات الطبيعية التي نسمع فيها أحاديث من حوله. أحسها حقيقية لا تكلف فيها ويتجلى عادة أبو نورة في مثل هذه الأوضاع أكثر من تجليه في استديو بغرف مغلقة. في نظري، أجمل فترات محمد عبده الغنائية كانت في السبعينات والثمانينات قبل أن يهوي في غياهب قصائد الأثرياء وذوي الجاه التي أضعفت منتجاته بشكل كبير باعترافه هو حينما يغني قديمه في الحفلات الجديدة. تلك الفترات الجميلة كان محمد عبده يغني فيها الأغاني ذات الكلمات الحجازية البسيطة الخالية من التكلف ذات الألحان البسيطة التي تمنحه مساحات واسعة للانطلاق نحو آفاق صوتية «أسمر عبر – مالي ومال الناس – يا مركب الهند – لنا الله» ويغني فيها أيضا الكلمات النجدية العميقة التي كان يتعاون خلالها مع خالد الفيصل وبدر عبدالمحسن «أبعتذر عن كل شي – أنا حبيبي – جمرة غضى – من بادي الوقت» كما قدم أغاني فصيحة وبسيطة لا تحتاج إلى «أوركسترا» كما ينفذها أخيرا أذكر منها «هيجت ذكراك – مالي أراها لا ترد سلامي». في تلك الفترة أيضا كان محمد عبده في قمة تعاونه مع ملحنين كان لهما أثر كبير في مجده الذي مكنه –من وجهة نظري الخاصة– في تجاوز نجاح طلال مداح الذي كان على الجانب الآخر ذا شخصية طيبة مجاملة مسالمة للغاية، والملحنان هما عمر كدرس –رحمه الله– ومحمد شفيق الذي لا يزال محمد عبده يواصل التعاون معه. بعد أزمة الخليج غاب محمد عبده عن الأضواء لأعوام أعتقد أنها بلغت خمسة اكتفى خلالها فقط بالأغاني الوطنية، وكان تسرب شريط كاسيت إن لم تخني الذاكرة بعد الحرب بأشهر يظهر فيه عبده وهو يتلو القرآن بأسلوب الشيخ عبدالله خياط كما أذن والشريط انتشر في وقته انتشارا كبيرا وكان يوزع باسم «توبة محمد عبده». الحاصل أنه بعد عودته في عام 95 وحتى يومنا هذا –16 عاما– ظهر بشخصية مغايرة، بدا كأنه لاعب كرة محترف مستعد للعب في أي ناد مقابل مقدم عقد محترم، نزل مستوى الكلمات المختارة بشكل كبير واعتمد على الشخصيات الثرية التي يعرف عنها غالبا أنها تشتري القصائد من الآخرين، ترك الأغاني الجادة وبدا يميل للأغاني –التي تسلق في يوم– بعد أن كان محبوه يحتفون بشريطه الجديد إذ يضمنون أن يحتوي -في أقل تقدير- على أغنيتين أو ثلاث من الأغاني «الجامدة»، أصبح بالكاد يظهر أغنية تستحق النجاح كل خمسة أعوام تقريبا، ترك توجهه في الأغاني «المكبلهة» بحجة أن السوق لم يعد يحتملها ثم يناقض نفسه في اليوم التالي ويغني منها في حفلة جماهيرية استجابة لطلب الجمهور. الصورة النمطية لدى المستمعين الآن أن محمد عبده يلبي أي طلب للغناء مقابل المال، وهذا من حقه طبعا لكن يبقى أن هذا الصوت لم يعد ملك صاحبه فقط، لقد صار جزءا من إرثنا الموسيقي ومن النادر أن تجد سعوديا يستمع للموسيقى دون أن يكون محبا لمحمد عبده، كم أتمنى أن يطرح ألبومين كل عام، الأول يكون له ولمن يعز عليه من ذوي الجاه الذين يريدون أن نستمع لكلماتهم «بالغصب» والآخر يكون لمحبيه، يعيد فيه أسلوبه القديم وتسجيله للأغنية بالآلات والكورال في يوم واحد. نريده أن يخطئ في «الكوبليه» ويعيد الكلمة مرة أخرى. نريده أن يعلو صوت الكمان والآلات الوترية ويخفو فيها صوت الإيقاع.. نريدها –بلا طيران– هذه الآلة اللعينة التي أفسدت أذواقنا. محمد عبده عد لنا كما كنت.. عد لزمن الغناء الجميل، عد للطرب وزمن عمر كدرس.. بالمناسبة كلمسة وفاء لهذا الرجل الاستثنائي –وأقصد كدرس– كان لحن أغنية أقبل الليل لأم كلثوم وكانت في طريقها لغنائها قبل أن يلحنها لها رياض السنباطي.. اللحن جاهز وأساسه الموسيقي وضع في اليوتيوب بصوت كدرس. فإن كان محمد عبده جديرا بالوفاء لمن قدمه للناس فليغن «أقبل الليل» بلحن عمر كدرس.. وسنغفر له كمستمعين كل زلاته في الأعوام الأخيرة.. فهل يفعلها؟ أخيرا نداء ل «الكاشات» أتمنى أن تتركوا محمد عبده لنا، لا أحد يحبكم ولا أحد يطيقكم ولا تعتقدوا أننا سنتقبلكم حينما تشترون صوت محمد عبده بأموالكم، كلما غنى أبو نورة قصائدكم زدنا لكم كرها وبغضا.. «سيبونا بأه» مدونة سوالف أحمد http: //www.ahmad.ws/blog/