الضرب في «الأندية الأدبية» حرام. كل شيء يتطور من حولنا والأندية الأدبية تقف شامخة في الماضي: طباعة كتب، أمسيات، وندوات حول التحديات التي تواجهنا في عام الفيل! أما الكتب، فقليل من الأندية من أجاد القيام بدوره، القليلون من أعضاء أندية أدبية بعينها تعاملوا مع المثقفين باعتبار وعيهم هو السقف المتاح للكتابة، وبهذا كانت إصداراتهم نوعية ومؤثرة وذات قيمة أدبية مميزة. وأما الأمسيات، فالأديب ذاته يتحرك من منبر إلى منبر، ومن ناد إلى ناد. الأسماء ذاتها والوجوه ذاتها والقصائد والقصص وأوراق العمل. بالطبع هو الأديب الذي لا يفكر في أسباب دعوته ولا الصيغة التي يتم تقديمه في ضوئها، ولا حتى في جمهوره الذي سيطل عليه. هذه الصورة العامة، والنمطية، جعلت بعض المجالس الأدبية الخاصة في عدد من المدن أكثر جدوى من الأندية الأدبية. فالنادي الأدبي تحول مع الوقت إلى تنميط الثقافة، وسعى جهده إلى صرف ميزانيته على أمسيات مكررة وكتب بائسة. ومن لم يستطع صرف أموال الأندية في إصدار الكتب، لأنها باب أغلقه للابتعاد عن الصداع الذي يسببه محتواها الخطير، التفت لفعاليات براقة كانت ذات جدوى في بدايتها حتى تناسختها الأندية الأخرى، كملتقيات الرواية والشعر وغيرها. ثم جاء وقت التغيير، فصدرت اللائحة الأساسية للأندية الأدبية التي اشترطت أن يكون العضو العامل في النادي حاصلا على شهادة يحددها أعضاء مجلس الإدارة، أي أن محمد شكري لو كان سعوديا أو العقاد، فإن أيا منهما لا يستحق شرف الانتماء للنادي الأدبي، وهذا ما يفسر «دكتوراه» رؤساء الأندية في مجتمع ثقافي شغله الشاغل المؤهل التعليمي وليس المنجز الأدبي. وهي اللائحة ذاتها التي يقف البعض اليوم في سبيل عدم تفعيل بنود الانتخاب فيها لأسباب عدة معلنة، وربما لأسباب أخرى كثيرة غير معلنة. إن مما يجعل من أنديتنا الأدبية مؤسسات عاملة خارج الزمن هو إصرارها على تناسخ أنشطتها وكأنها تدار بعقلية رجل واحد، والوجود «الشكلي» للائحة معطوبة ومعطلة، وتكرار الأسماء والوجوه والأنشطة والخطابات وكأننا في إذاعة مدرسية يقدمها طلاب الصف الرابع الابتدائي. كل تجديد في الأندية الأدبية يشبه رجلا يمتلك منزلا كل عام يقوم بتغيير دهانه، لكن البناء ذاته، وكذلك محتوياته، لا تتغير. ولعل هذا هو ما يدعونا إلى طرح سؤال على أنفسنا: لماذا لا يتم إحلال مؤسسات ثقافية وأدبية جديدة بالكلية بدل هذه الأندية الأبدية التي جعلتها «الرتوش» مجرد مسخ يكرر خطاباته وخيباته ولا يمل.