لم تعد الطفولة الآمنة مطلبا واقعيا كافيا في خضم الثورة التقنية والمعلوماتية التي لا يمكن السيطرة عليها، فلقد تحولت البيئة المحيطة إلى بيئة جزئية ضيقة مع تعاظم سطوة البيئة التقنية الافتراضية وتحولت المتغيرات والمؤثرات من حسية إلى فكرية وثقافية؛ فكان من الضروري تحقيق طفولة واعية، كخلفية مناعية ذهنية تلازم الطفل في غياب الموجه والرقيب الذي بات وجوده ودوره في طور الضمور. فمشاكل الطفل الآن تختلف عن مشاكله قبل سنوات، فلقد أصبحت ذات أبعاد وامتدادات قيمية مع ظهور التقنية بشكل مفاجئ وصادم في ظل انعدام الوعي الكافي لدى الأسرة والمجتمع، فظهرت مشاكل كثيرة منها ذوبان الهوية، الضمور المعرفي، الانكفاء الفكري، السطحية وغير ذلك؛ ما يستدعي التعاطي معها بشكل جاد، وإلا فسيبقى أطفالنا في خطورة دائمة غير مُعتَرف بها. مشاكل الطفل التقليدية التي لا تعدو كونها أسرية أو جسمانية أو نفسية أو مدرسية، أصبحت شبه معتادة وأصبح التعامل معها واضح الملامح؛ لذا أصبحت المشاكل الفكرية والثقافية والمعرفية تستدعي بحثا ودراسة وعلاجا، فمن المشين ألا يعرف الطفل من الحاسوب سوى الألعاب أو الماسنجر، أو ألا يعرف ما معنى «أوبك»، أو عدد قارات العالم، أو أن ينحصر نطاق تفكيره فيما يأكل ويشرب ويشتري. يجب أن نتجاوز بالأطفال هذا الهامش الضيق إلى مستوى فكري وثقافي ومعرفي أرحب، يجب على محاور صنع الإنسان الثلاثة البيت والمدرسة والإعلام العمل على خلق العقل الناقد بدل السلبي المتلقي، وانتهاج سياسة البناء الواعي بدل التسطيح، والعمل على ذلك منذ السنين الأولى للطفولة، يجب أن نحوّله إلى كائن مثقف مبتكر متفاعل بفتح آفاق الإبداع والثقافة والإنتاج؛ ليبني ذاته ومجتمعه، ولا يفوتني أن أشيد بمؤتمر الطفولة الذي أعلنت عنه جامعة الأميرة نورة في شهر جمادى الآخرة القادم تأكيدا منها على أهمية الطفل كشريحة أساسية، بل كبنية تحتية للمجتمع، ومما يُحسب للمؤتمر أنه سيتناول مشاكل حديثة وذات حساسية كالهوية الثقافية والعولمة كخطوة أولى بالاتجاه الصحيح ستُتوج بإذن الله بخطوات عملية.