كثيرا ما نصاب بخيبات أمل كبيرة إزاء انحسار لغتنا العربية الفصحى مقابل اتساع سطوة اللهجات المحلية أو ما نستطيع تسميتها «موجة التعويم»، ولن تتفاجأ حين تصدح القصائد والأهازيج النبطية «العامية» في محفل تربوي للأسف، دون أن نشعر بفداحة توهين الفصحى في إحدى قلاعها ودون الالتفات لخطر زرع التناقض بين ما يتعلمه الطالب و بين ما يمارسه داخل المؤسسة التربوية. ولعل المجلات الثقافية إحدى ركائز الأمل المتبقي لرفد لغتنا الفصحى وضمان استمراريتها وإن قل القراء إلا أنها تبقى الحافظ الأمين والسفر الأثير في نفس كل مثقف غيور على لغته، لكن انحسار رواجها يعود إلى عدة أمور، من بينها موجة التسطيح التي يعيشها المجتمع، وظهور اهتمامات جديدة واختفاء أخرى، وصعوبة اللغة الفصحى نتيجة انقطاع الصلة بين الكتاب والفرد، وازدياد وتيرة مشاغل الحياة، وانخفاض المستوى المعيشي للفرد، وانتهاء بانعدام التحفيز لممارسة المطالعة والبحث. إلا إننا يجب أن نستحضر أن قلة الإقبال عليها لا تؤثر أبدا على كينونتها واستمرارها لانتفاء ربحيتها فهي في الغالب ليست تجارية، بل فكرية ذات هدف ترجو بلوغه ورسالة تسعى لتحقيقها، ورغم محدودية قرائها إلا أنها قادرة على إيصال رسالتها، فهي موجهة للنخبة الذين يعدون عقل المجتمع ورواده. وقد أسهم الكثير من المجلات الثقافية في مقاومة اللغات الدخيلة واللهجات المستحدثة، خصوصا في الفترات الاستعمارية التي مرت بالوطن العربي فكانت رفيقة نضال السواعد في الساحات، حيث كانت تلك المجلات الجدار الأخير والصلب للغة العربية ونواة التعريب. ونستطيع القول إنها ساعدت على إبقاء اللغة الفصحى قيد الاستخدام وتعزيز قيمتها وجعلها لغة النخبة المثقفة والمتأدبة، ووقوفها كواجهة أصيلة في وجه التغريب ما زاد من مكانتها كما أنها أدت لتنشيط حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية الفصحى نتيجة ظهور السجالات السياسية والاتجاهات الفكرية والرؤى الدينية والاجتماعية. إذن أستطيع القول بجسارة إن المجلات الثقافية تبقى سفر الحفظ للغة والوقود الذي يعمل على إنعاش اللغة العربية الفصحى برغم هجران الأقربين وابتعاد المحبين.