أحب البدو العرب الذئاب، شبهوا الرجال بها، كتبوا الشعر النبطي عنها، جعلوا منها رموزا للشجاعة والذكاء والإباء والكرامة والنضال والكسب من كد اليمين. لكن البدو العرب مع دقة ملاحظتهم ومعرفتهم بأخلاق الذئاب وطباعها لم يتعد إعجابهم بها حدود العاطفة، ظلوا أسرى العواطف في صحراء الشعر بينما هناك بدو آخرون اتخذوا من الذئاب مرشدة ومعلمة ومثلا عُليا لا يحيدون عن تعاليمها وقوانينها وأخلاقها، هؤلاء البدو هم المغول. من الأسرار التي كنت دائما أقف أمامها مستغربة سر اكتساح القبائل المغولية لقارة آسيا وقارة أوروبا واحتلالهم لحضارات شهيرة وعريقة فهدموا مدنا وأسقطوا عواصم وقضوا على دول، وهم بدو أميون. لعل الكاتب الصيني العبقري يانغ رونغ يكشف واحدا من أغرب أسرار البشرية ويوضح أمورا خفيت على كثير من الأمم زمنا طويلا في روايته «رمز الذئب»، أو بالأصح «طوطم الذئب» يتعلم البطل «شن زن» من العجوز المغولي «بلغي» أسرار القوة المغولية التي أرهبت العرب وروّعت أوروبا وقهرت الترك والهند. يقول عاشوا مئات السنين يراقبون الذئاب ويتعلمون منها أساليب القتال حتى إن أكبر وأشهر قائد مغولي جنكيز خان وبعده هولاكو، قد وضعوا أنظمتهم العسكرية وتنظيم كتائبهم وجيوشهم بنفس أساليب الذئاب التي كانوا يعتبرونها مواطنة على سهوب منغوليها مثلهم، بل لعلها كانت شعوبا قبلهم بزمن طويل وتقبلوا فكرة كونها شريكة لهم في كل ثروات السهول الصينية، ومع ذلك ظلوا يقظين لكونها أيضا عدوة يجب الحذر منها والحرص على حفظ حقوقها، وفي ذات الوقت إعطاؤها ما تستحق من حقوق المواطنة وحصص الرزق. هل يفاجأ الناس أن أشهر نظريات القتال التي تدرّس إلى اليوم في الكليات العسكرية في العالم وضعها محارب وفارس صيني واستقاها من رؤساء القبائل المغولية الذين تعلموها من الذئاب ومن مراقبتهم لها، ولأساليبها على مدى سنين طويلة من الجوار والتعايش. إن رواية رمز الذئب هي من أعظم الروايات التي أنتجت في الشرق الأقصى ولا يحتاج كاتبها إلى رواية أخرى ليحفر اسمه في الذاكرة الإنسانية فيكفيه مجدا هذه الرواية. * شاعرة وإعلامية سعودية