تحذير: هذه المقالة للذين لا يحبون القراءة! أفهم وأقدر ما تمرون به أيها الصبيان والصبايا، والفتيان والفتيات. أفهم وأقدر وأعرف أن عزوفكم عن القراءة ليس نتيجة أنكم «جيل آخر زمن»، وليس لأنه لا نفع منكم. أعلم جيدا أنه لا تثريب عليكم، لا تثريب. وكيف نلومكم ونحن نصافحكم بيد ونصفعكم بالأخرى؟ نعلمكم بيد أن القراءة مهمة وأن الشعوب المتحضرة تقرأ، وأن عليكم أن تقرؤوا وإلا فأنتم السبب في تخلفنا وضياعنا. ثم، وباليد ذاتها، ننسج لكم علاقة لاشعورية سلبية ومنفرة مع الكتاب حين نجعله وسيلة تعذيبكم؛ فمن خلال الكتاب نمارس السادية التعليمية عليكم ونجبركم على الحفظ «عن ظهر قلب»، «أو بمعنى أدق «عن ظهر عقل» فلا داعي لإعمال عقولكم! «فكل ما يهمنا من عقولكم هو مراكز الذاكرة، أما ما عدا ذلك، فيمكنكم استغلالها وتجييرها لأي شيء مثل ال «بليه ستيشن»، أو في التسكع وإجالة النظر في المارة، أو أي نشاط غير ذي فائدة لأنها لا تعنينا ألبتة. نفعل كل هذا بكم، ثم نلومكم إذا ما أنتم نكلتم بالكتب ورميتموها في ساحات المدارس وقرب مكبات النفايات بعد أداء الاختبارات. أعلم أن بعضكم يود فيما يود لو يحرق بعض الكتب التي كانت تزوره في كوابيسه، وبعضكم يود لو يلتقى بمن وضعها ليصفي حساباته معه، فلولاها ما شقي وما عانى، ولولاهم لما تكبد العناء والضنى. وإذا كانت الكتب تسبب كل هذا، فإن العقل البشري مفطور على الحفاظ على النفس وتجنيبها الألم، لهذا ستجدون أن المراكز المختصة في الدماغ ستفعل فعلها الفطري. فحين يرى الطفل سلك الكهرباء الشهي ويمد إليه راحته فيلدغه، حينها يتعلم الدماغ أن هذا الشيء خطر، أن هذا الشيء مدموغ بإشارة الخطر الشهيرة: «جمجمة وعظمتان»، ويرتدع الطفل إلى الأبد عن العبث بالكهرباء. وكذلك الأمر مع الكتب، فعقولكم تتعلم أن الكتاب مصدر للتعب والأذى والألم، مصدر لتجميد عقولكم وإلجامها، فكيف نتوقع منكم أن تحبوا القراءة وعقلكم الواعي واللاواعي يعرفان كم سببت لكم من مقاساة؟ كيف نتوقع منكم اللعب مع جلادكم في وقت الفراغ، وعقد صداقة مع خناقكم؟! ولكل الذين يظنون أنني أهون من عظم الكارثة وأني أبرر لجيل كسول خمول تقاعسه، فإني أحيلكم إلى صورة لأحد كتبي الدراسية التي مثلت بجثتها أيما تمثيل، هذا مع الأخذ في الاختبار أن ترتيبي في الثانوية العامة كان الثانية على مستوى الدولة في القسم الأدبي والأولى على المدارس الخاصة، أي وبالمصطلح العامي كنت «شاطرة». لكني – كغيري - كنت مجبرة بشكل أو بآخر على تعامل معين مع الكتب «الدراسية على الأقل»؛ تعامل غير صحي. احبسوا أنفاسكم، وشاهدوا الصورة، وادعوا الله لي بالمغفرة!. أعود إليكم يا أصحاب الشأن والشجن. أعلم أنكم، حتى وإن تساميتم على جراح الماضي ومعاركه، فسيعلمكم المجتمع أن القراءة رفاهية لا طائل منها، وترف بلا مردود. فما تحصل عليه ب«الواسطة»، لم عليك الحصول عليه بالكد؟ فشعار الناس الجديد صار «من لم يسرع به علمه، أسرعت به واسطته»! والله المستعان. لكن مهلا، لست هنا لأبرر لكم ما تفعلون، أو لأطلق أيديكم في تجافيكم عن القراءة، أنا هنا لأخبركم بسبب ضيق الصدر الذي ينتابكم كلما شاهدتم كتابا يلوح إليكم، فلا علاج دون تشخيص، ولا شفاء دون وعي. أنا هنا أيضا لأبشركم أيضا أن نزعتكم نحو العبث بنعمة الوقت ثم الشكوى بأن الملل والنكد والكآبة تغلف مصائركم، أمر له بديل جميل شوهنا نحن صورته في عقولكم. ألا تودون أن تحوزوا «إكسير» الحكمة؟ أن تكبروا سنوات في خلال سنة؟ أن يكون معدل نضوجكم أكبر من معدل تقدمكم في العمر؟ أن تشيخ عقولكم في حين تظل أجسادكم غضة شابة؟ أن تركض عقولكم في حين تمشي أجسادكم الهوينى؟ أن يكون لكم عقل شيخ في الستين وجسد شاب في السادسة عشرة؟ شيء مذهل، أليس كذلك؟ هذا الأكسير السحري موجود، ليس في «ألف ليلة وليلة» ولا في أفلام «هاري پوتر»، بل في القراءة. أعيدوا النظر في المسألة، واحتضنوا الكتب من جديد (جربوا الكتب الإلكترونية كنوع من التغيير)، حاولوا عقد علاقة جميلة معها. عدوا الكتب كائنات حية منها الصالح ومنها الطالح، كانت {طرائق قددا}، منها ما استخدم في تعذيبكم ومنها ما من شأنه بلسمة جراحكم وتطبيب مللكم وضيقكم. وإذا كانت الواسطة في زماننا ترفع بيوتا لا عماد لها، هاؤوم اقرؤوا وارفعوا عماد بيوتكم في عين الرحمن، واجنوا رحمة منه ورضوان حين تستجيبون لأمره إذ قال {اقرأ}. هيا نتجاهلهم، نخالفهم، نقلب الطاولة عليهم، ونحل عقد السحر أمام بصائرهم، أولئك الذين بغضوا الكتب إلينا، أولئك الذين قالوا إن الواسطة دواء شاف لكل الأمراض. هيا نتجاهلهم ونقرأ، هيا نكسر الجمجمة والعظمتين، ونضع فوق رؤوسنا وفي عقولنا تيجانا وأكاليل من الغار حياة الياقوت http://www.hayatt.net