في كل انتفاضة، سواء كانت شعبية أو غير ذلك، تأتي لحظة الحسم عندما تتبلور ملامح المستقبل. وفجأة يأتي الجواب عن السؤال الأساسي المتمثل فيما إذا كان المحتجون أقوياء بما فيه الكفاية لاستلام دواليب السلطة أو مدى قدرة قادة البلاد على مواجهة المحتجين. في إيران عامي 1978 و1979 قاوم الشاه المتظاهرين بالشوارع وأمر جنوده بإطلاق النار عليهم لعدة شهور حتى رضخ في نهاية المطاف، وهرب إلى الخارج. لقد احتشد نحو مليون متظاهر في ميدان تيانمين في عاصمة الصين بكين عام 1989. لكن القيادة رفضت الرحيل، وعثرت في نهاية المطاف على جنرال كان مستعدا لإطلاق النار على الجميع. كل الثورات تشترك في بعض القواسم الأساسية. وتعتقد حشود المحتجين التي تجتمع في الغالب للمرة الأولى أن قدرها هو تحقيق الانتصار بسبب كثرة عددهم وتصميمهم الكبير. لكن إذا رفضت الطبقة السياسية التقاط الإشارات الموجهة إليها وحافظت على تأييد الجيش والشرطة السرية، فسيكون بإمكانها البقاء في السلطة. إذن، تطورات الأمور تعتمد على مدى قوة هذه الطبقة ومدى قابليتها للمرونة في التعاطي مع ما يحدث. وفي الثورات التي شهدتها أوروبا الشرقية ما بين 1989 و1990، أبدت الأنظمة الشيوعية الاستبدادية في البداية تصميما على البقاء في الحكم، لكنها سرعان ما أثبتت أنها هشة وقابلة للانكسار والانهزام. وفي روسيا عام 1991، كان المتظاهرون الذين أطاحوا بالنظام قلة ومتوترين وخائفين من رد فعل السلطات، لكن الحكومة السوفيتية كانت من الضعف بحيث سقطت دون قتال. في جهات أخرى، يقرر الرؤساء أن اللعبة انتهت منذ بداية التظاهرات والاحتجاجات ويجمعون أغراضهم القابلة للتحويل ويستقلون الطائرة باتجاه المنفى. لكن الرئيس مبارك شديد العناد ولا يعبأ بعدد المتظاهرين في ميدان التحرير المطالبين برحيله، رغم أنه بدأ في تقديم بعض التنازلات. الجميع هنا يفترض أن النظام هو الذي أعطى الأوامر بإطلاق النار عليهم، أمس الأول. وهناك مطالب حقيقية تنادي بالانتقام والناس تحمله مسؤولية ما شهدته مصر من ارتفاع الأسعار إلى ممارسات عناصر الأمن. هل سيقود غضب المحتجين إلى سقوط كل أركان نظام مبارك وتغييره.. أم هل سيتفرق المحتجون تدريجيا وتنتهي حركتهم بعد خوضهم تجربة مثيرة في التعبير عن آرائهم بكل حرية؟