لا أشك – أبدا - أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأن الموت والحياة والرزق كل ذلك بيده. ومن يقل غير ذلك فقد ضل ضلالا مبينا. ولكن، مع كل هذا الإيمان - الذي يعتمل قلبي وقلوب المؤمنين - لن نختلف على أنّ في اتّباع الأسباب والمسببات ومحاولة التمسك بحبل القوانين الطبيعية والوضعية وعيا لا يصطدم مع الإيمان، وقد جاء في الأثر «اعقلها وتوكل». قبل فترة وجيزة كنت أتابع لأيام حادثة فتاة أم الدوم التي وقعت في بئر وهي تتنزه مع رفيقاتها وطفلتها في الصحراء، حيث سقطت بعمق يتجاوز الأربعين مترا، وبقطر 44 سم، ولم ينتشل جثمانها إلا بعد اثني عشر يوما بعد العمل المتواصل الدؤوب ليلا ونهارا من فرق الإنقاذ التابعة للدفاع المدني، والذين أوضحوا بعد ساعات قليلة من وصولهم لموقع الحادث أنها فارقت للحياة مباشرة عند سقوطها. كنت أتابع الحادثة عبر شاشة التليفزيون وأنا أتذكر فيلما وثائقيا شاهدته من نفس الشاشة لإحدى فرق الإنقاذ البريطانية وهم يحاولون إنقاذ فتاة صغيرة سقطت في بئر في ظروف مشابهة لحادثتنا، ولكن بمعطيات أكثر تعقيدا من حيث السن والمرض والطقس، غير أنهم أنقذوها، وأخرجوها حية ترزق بعد 8 ساعات من الحادث! كان الفريق البريطاني يعتذر بأدب جمٍّ لوالدي الطفلة للتأخر في إنقاذها، وذلك لعدم مواءمة الظروف الجوية التي سببتها الأمطار العاصفة واضطرتهم لساعتين إضافيتين من العمل! انتشرت الفرحة بانتشال جثة فتاة أم الدوم بعد الانتظار والآمال، وابتهجوا واحتفلوا بما حققوا من إنجاز، ولا يسعني - رغم كل تحفظي - إلا أن ألوّح لهم بالشكر على كل حال. لكن الحادثة أوقعتني في الكثير من الأسئلة عن حالة الدهشة التي ارتسمت في وجوه فرق الإنقاذ عند وصولهم للموقع، وعن جاهزيتهم، وعن مدى قدرتهم على تحدي الظروف بشكل محترف وسريع، وما هي البيئة المفترضة التي يجب أن يشتغلوا عليها ويلتزموا بها من لياقة وخبرة ودراية ووعي في ميادين عملهم حول حقول إنسانية ملغمة بالأماني والرؤى، حين يكونون في مواجهة حقيقة لأحلام الناس الذين تتلألأ في عيونهم وهم يعانقون الحياة أو يرحلون عنها.