من الأوراق التي ستبقى في أيدينا، ولن تصوّحها شمسُ النسيان، ولن يمتد إليها أثرُ التقادم.. أوراق شاعرنا الراحل محمد الثبيتي. ليس لأنها جزء من ذاكرة، ولا لأنها تجمع في سطورها ما ينبض بالحنين. تكفي رفّة فينتفض طائر الروح. ثمّة ما هو أعمق من ذلك، وإنْ ظلّ مرتبطا بالذاكرة وبالحنين، تلك هي القيمة الشعرية التي وسمتْ شعرَه بخاصّة في عمله «العظيم» التضاريس. هذا العمل الذي قبل أن نتلقّاه ورقا، كان كلاما يسعى في ليالينا ونهاراتنا عبر أشرطة الكاسيت التي سُجّلت في أمسياته الشعرية، ومنها واحدة في الأحساء في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. كان «الشريط» صحبتنا. نتلذذ بما نسمع، نستعيد ونحفظ. لم يكن شريطا بقدر ما هو كأس شعرية معبوبة تأخذنا إلى الثمالة؛ ننتشي بروعة، كلما أردنا الاستزادة منها لا تطولها أيدينا ولا في إمكاننا أن نسميها. عند ذاك الحدّ، عرفنا عبث التسمية والحرص عليها وعلى التعريف. حسبنا أن يقع في حواسنا ونتمثّله من الداخل بهجةً وتغييرا ترتجّ له فيزياء الجسد. حسبنا أن يقع فينا الشعر على هذا النحو من التمثّل والحضور. أعيد اختبار هذا الأثر بين وقت وآخر، ولا ثمّة ما يبهت أو تتهدّل وردته؛ فأوقن أيّة شعريّة عالية كانت لأبي يوسف.