تتراوح أسباب الخلل في معادلة العرض والطلب في الخريطة العقارية خلال المرحلة التنموية الراهنة، حيث يضعف فيها القطاع السكني أكثر من غيره ويشهد تضخما يسهم في تراجع القوة الشرائية للراغبين في التملك. وبالنظر إلى واقع السوق العقارية يمكن الوصول إلى نتيجة حاسمة تتمثل في عدم إيفائه بتوفير وحدات سكنية متنوعة تغطي شرائح المجتمع وفقا لقاعدة النسبة والتناسب، كما أن عدم وضوح المبادئ السوقية في إدارة عمليات السوق العقارية دفع بها إلى تغليب الوحدات التجارية والاستثمارية على السكنية، وذلك يعزز فرضية عدم مساهمة القطاع العقاري في معالجة أزمة السكن، حيث يوجد بحسب الإحصائيات 40 % فقط من المواطنين يمتلكون منازلهم فيما يسكن 60 % بالإيجار. وضعف السوق العقارية في توفير الوحدات السكنية بحسب الحاجة الاجتماعية مبرر بقيام القائمين عليه بتطوير مشروعات ومخططات نوعية للنخبة الاجتماعية، وتفوق قدرات السواد العظم من شرائح المجتمع الباقية، وإذا كانت السوق تتحمل مثل هذه التوجهات العقارية؛ فالمواطن لا يتحملها لأنه بحاجة الى إجراءات مرنة وداعمة لحقه في السكن، ورأس المال العقاري لا يسمح بذلك، إذن فالواقع يشير إلى حاجة أخرى وهي إقرار الأنظمة العقارية المعطلة وفي مقدمتها التمويل العقاري والسجل العقاري وأهمها الرهن العقاري. طال انتظار العقاريين لإقرار تلك الأنظمة، وقد رشحت كثيرا من التوقعات لإقرار الرهن العقاري دون غيره من الأنظمة، وكان أهم ذلك توقع وزير المالية الدكتور إبراهيم بإقراره خلال الربع الأول من العام الماضي، وذلك بعد تأكيده أنه أصبح في يد مجلسي الوزراء والشورى، ولكن رحل العام وبقية أرباعه الثلاثة دون إقرار النظام، رغم تأكيد الوزير أنه كانت هناك عقبة أمام إقرار النظام، إلا أن هذه العقبة زالت بعد المناقشات التي تلت إقرار الموازنة العامة للمملكة العام الماضي، ومع ذلك بقي الوضع محلك سر. دون الرهن العقاري على الأقل تبقى جميع معالجات الأزمة السكنية في مربعها الأول؛ لأن السوق العقارية بحاجة الى النظام لتطوير أدواتها من أجل إنشاء وحدات سكنية متوافقة مع روح النظام، حيث إنه ينبغي أن تدمج البنوك في عمليات التمويل العقارية وإيجاد صيغ تمويل تواكب الطلب ونشاط السوق في البناء والتشييد، فالمشكلة الأساسية أمام العقاريين والمستهلكين النهائيين تتوقف على أي برامج أو حزم تمويل داعمة ومحفزة للتملك، ولما كان ذلك غير متاح لغياب النظام المحدد لشروط وظروف الإنشاء فليس في الأفق ما يدعو لعبور جسر الأزمة السكنية. والمشكلة الأخرى تتعلق بدور صندوق التنمية العقارية الذي لم ينجح مطلقا في تقليص الفجوة السكنية ومواكبة تحديات النمو، إذ ظل واقفا على قيمة قرضه ب 300 ألف ريال، فيما هي لا تكفي إلا القليل من البدء في أي مشروع بناء عقار سكني في مساحة صغيرة، وهو بذلك مرهق لأحلام المواطنين في السكن ولا يلبي تطلعاتهم إليها، وعليه فلا خيار سوى تغيير أدواته وإجراءاته ورفع مستوى القرض إلى الحد الذي يمتع المستفيدين من البناء المباشر دون الوقوف بقلة حيلة أمام مبلغ القرض. السوق العقارية بحاجة إلى تصحيح، ولكن ذلك غير ممكن في ظل غياب الأنظمة المحددة لنشاطها، ولذلك ستبقى مراوحة مكانها في العشوائية والاجتهادات الفردية لنمو رأس المال في المسارين التجاري والاستثماري على حساب السكني، إلا في نطاق ضيق بتشييد وتوفير وحدات سكنية للنخبة الاجتماعية؛ ولذلك فإن الأمر بيد مجلسي الوزراء والشورى، حيث تبقى الأنظمة العقارية دون حراك.