«الله يرحمه.. هوا كيف مات؟».. سؤال كثيرا ما يتردد في حالات العزاء، يأتي مقتحما غمرة الحزن الذي يقاسيه أهل الميت، مذكرا إياهم في لحظة سكون بسابق الألم والفاجعة. وقبل أن ينافي سؤال كهذا أبسط مفاهيم الإتيكيت والأدب، يناقض أحد أهم الأهداف الدينية التي شرعت لأجلها تعزية أهل الميت في فقيدهم، فكأن ذاك المعزي أتى لينكأ ما اندمل من الجراح بدلا من أن يسلي عن المحزونين حزنهم في فراق ميتهم. ولا ينقلب دور المعزي هنا فقط، فالمشاهد في الغالب انشغال أهل الميت وقرابته بالضيافة للمعزين، التي تتجانس ويوم العزاء، فإذا ما كان الاثنين أو الخميس أحد أيام العزاء الثلاثة، فعلى أهل الميت القيام بواجب الضيافة للصائمين، فمراعاة الأيام والأحوال أمر لا بد أن يستحضره قرابة الميت، وكأن واجبهم يتمثل في إحسان الضيافة للمعزين، ومحاولة توفير الأجواء المناسبة لهم ليمارسوا التعزية على الوجه الأمثل! ولا يكتمل «جو» العزاء لدى غالب النساء دون استحضار الذكريات، أليمها وجميلها، والخوض في نقاشات لا تنتهي وحوارات مطولة عن أحوال الأبناء والتربية في هذا الزمان باعتبار «الأبناء وهمومهم» موضعا متجددا وقابلا للتباحث فيه في أي وقت وحال، ويحلو ذاك «الحال» إذا ما كان بسيطا ودون تكلف عناء التجمل كما في العزاء. فالعزاء بوقته الطويل الممل وضيافته المميزة يعد بيئة خصبة وممتازة لتكاثر الأفكار والنقاشات المطولة والأحاديث التي تطول دون جدوى، في الوقت الذي لن يستفيد الميت من أي شيء سوى الدعاء! نحتاج في معظم الأحوال «الإنسانية» التي تتطلب «الاجتماع» إلى إعادة صياغة، صياغة تبني العزاء على «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم».