فيما ينتظر القطاع القضائي بالمملكة تطبيق نظام المحاماة الجديد والصادر بمرسوم ملكي، والذي ينتظر أن تكون له نتائج إيجابية تنعكس على العدل عموما، وعلى دعم وممارسة العمل القضائي ومؤسساته المختلفة وعلى مهنة المحاماة، وعلى العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، يبدو أن تطبيق نظام المحاماة مازال يراوح رغبة وزارة العدل والإدارة العامة للمحاماة بها وكذلك رغبة الأوساط ذات الصلة وخاصة المنتمين لمهنة المحاماة وهي رغبات تصطدم بواقع «أرضية المهنة» التي لا تبدو مهيأة لاستقبال النظام الخاص بها، إذ إن على رأس متطلبات تطبيق ذلك النظام وجود «تنظيم مؤسسي للمحامين»، يعد الجهة المسؤولة التي تمثلهم وتتحدث باسمهم، وتكون معنية بكل شؤونهم وقادرة على القيام بكل التعاملات التي تخصهم ويكون تطبيق نظام المحاماة أول وأهم مسؤولياتها. وفيما يتبادر للأذهان أن «اللجنة الوطنية للمحامين» تعد الجهة الممثلة للمحاماة والمحامين، وبالتالي هي المقصودة بما سبق، إلا أن البعض يفند ذلك، ويرى عكس ذلك، عطفا على ما يراه من حقائق ومعطيات يحسبها واقعية ومتعددة منها ما ذكره العديد من المحامين غير المعترفين بشرعية وقانونية اللجنة، أو من يقفون منها موقف المناوأة التي وصلت حد رفع دعوى تطعن في تلك الشرعية». ومن تلك المعطيات والحقائق ما ينتج ويبرز من تلك اللجنة على الساحة الإعلامية وفي أوساط المهنة، وهو ما يوحي بما يعتريها ربما من تفكك وصراع داخلي وقدح ذاتي متبادل بين أعضائها «محدودي العدد حسب بعض الآراء»، فيما لا تبرز جوانب الإنجاز والأدوار الإيجابية للجنة حتى الآن. أهمية وترقب تجمع كافة الجهات والأوساط ذات الصلة بالنظام القضائي السعودي ومؤسساته على أن لإصدار نظام المحاماة وتطبيقه أهمية كبرى على الساحة القضائية وإجراءاتها، كما أن له انعكاسات إيجابية اقتصادية واضحة تتمثل في الاستفادة من أموال طائلة تدفعها شركات ومؤسسات وطنية لمكاتب محاماة ومكاتب قانونية خارج المملكة، ومن الانعكاسات الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية لذلك توسع المهنة والتوظيف، ولكل ذلك فإن هناك إجماعا على ضرورة تسريع تطبيق النظام وتفعيله, ولذا بادرت وزارة العدل لتأسيس إدارة عامة للمحاماة بها، وتتسارع خطواتها لتطبيق النظام مع الأخذ في الاعتبار تجاوز عوائق «واقع المهنة على أرض الواقع». أين المرجعية أكثر من ثلاثة آلاف محام ينتمون لمهنة المحاماة بالمملكة، منهم من يزاولها بتصاريح، وآخرون من دون تصاريح، وفيما تتابع الإدارة العامة للمحاماة إصدار تراخيص للمحامين فإنه لا يمكن الحصول على رقم دقيق لعدد المحامين في المملكة، وذلك من دلائل افتقاد جهة مرجعية تمثل المهنة، ومن المتوقع في ظل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية أن يتزايد دور المهنة وأن يتنامى في ظل معطيات اقتصادية واجتماعية عديدة. ورغم ما يقتضيه ذلك من أن يكون تنظيم المهنة وممارستها مؤسسيا قويا تكون لها أثرها و فعالياتها ومؤسساتها وتنظيماتها الداخلية إلا أن الواقع الحالي للمهنة ليس على هذه الصورة أو قريبا منها كما يدعي المنتمون للمهنة أنفسهم, ويعد ذلك منافيا لما يجب أن تكون عليه، خاصة أنها مهنة ذات صلة بدقة التنظيم وصحة الإجراءات والممارسات وسلامتها قانونيا، وذلك يؤكد ما يجمع عليه المحامون وما هو متبع فعلا في المملكة وغيرها وفي مختلف المهن المحترمة, من أن الحاجة قائمة وملحة لتأسيس صحيح وقويم لهيئة تمثل المهنة والمنتمين لها، وأن تكون لها مرجعيتها الصحيحة ومشروعيتها ونظاميتها، وأن ينعقد الإجماع على مشروعيتها وذلك أسوة بمهن أخرى كالهيئة السعودية للمهندسين أو الأطباء أو الصيادلة. مجرد وجاهة عند الحديث عن الجهة التي تمثل المهنة والمنتمين لها يبرز اسم «اللجنة الوطنية للمحامين»، وهي عبارة عن اتحاد للجان المحاماة في الغرف التجارية، وتحاول تلك اللجنة أن تقدم نفسها على أنها تمثل المحامين، وأنها تقوم بأدوار متعددة لخدمتهم، كما تنظم اجتماعات وفعاليات تتناول موضوعات تخص المهنة، وتعقد اجتماعات مع الجهات ذات الصلة بالقضاء والمحاماة. ولكن يبدو من خلال المواقف والآراء المرصودة في الوسط القانوني «المحامين» عن اللجنة، ومن الاطلاع على «الملف الإعلامي» لها، أن موضوع التنافسات والخلافات والصراعات على «رئاسة اللجنة»، وما يصاحبه من تهم متبادلة، يكشف من خلاله ما وراء الستار، بأنه الملف الأكبر والأبرز للجنة، كما يتضح أن خلافات الرئاسة بين الغرف التجارية وأعضائها لها آثارها التي تنعكس سلبا على الأدوار والمهام المطلوبة وآليات القيام بها وإنجازها، ومن ذلك الخلافات التي نشبت في أحد اجتماعات اللجنة «عقد في آواخر يونيو الماضي بالمنطقة الشرقية»، مما ترتب عليه الإخفاق في وضع «نظام هيئة المحامين» وكان سبب الصراع ومحوره «من سيقوم بذلك؟». ويبدو أن الصراعات على اختيار رئيس، والانتخابات ونتائجها، ثم التشكيك في تلك النتائج وعدم قبولها، وعدم قانونية إجراءات الانتخابات، والمطالبة بإسقاط الرئيس، وتبادل الاتهامات بعدم الأهلية، وعدم الشرعية، هي كل أعمال وأدوار ومهام اللجنة ومادتها وما يظهر منها وعنها وليس غير ذلك شيء. وكل ما سبق يؤكد ارتفاع مستوى الصراع وإعاقته وحيلولته دون إنجاز مهام أساسية للجنة ذات أهمية للمهنة، بل يبدو أن اللجنة انشغلت به حتى عن تحديد أهدافها وأولويات عملها، وعلى المستوى الخارجي فإنه وضعها يبقى موضع النظرة السلبية واللا شرعية وأنها إساءة للمهنة كما وصفها البعض ل«شمس». وفيما لا يكترث العديد من المحامين للجنة ولجانها الفرعية ولا يرتبط بأي صلة بها، فإن نسبة أخرى من المحامين يهاجمون وينتقدون بشدة تلك اللجنة ولجانها الفرعية وينتقدون دورها ويؤكدون عدم شرعية ونظامية وقانونية وجودها، كما يطعنون شرعا وقانونا في دور وعلاقة الغرف التجارية بتلك اللجان ويرفضون بشدة أن تكون مهنة المحاماة تحت مظلة تلك الغرف. خطأ فادح المحامي سليمان الجميعي يشدد ل «شمس» «خطأ فادح أن يكون للغرف التجارية ولاية على المحاماة والمحامين، فهي لم تعط أي سند قانوني من أي جهة لتنظيم مثل هذه اللجان الخاصة بالمحامين». ويوضح منشأ تلك اللجان وكيف تأسست، حيث انبثقت هذه اللجان قبل صدور نظام المحامين الجديد، وشكلت بعض اللجان في الغرف التجارية وكان مرجعها وزارة التجارة، ولكن بعد صدور نظام المحامين الجديد الصادر بمرسوم ملكي والذي نظم مهنة المحاماة وشروط عمل المحامين أصبحت مرجعية المحامين هي الإدارة العامة للمحامين بوزارة العدل وليست لجان الغرف التجارية، كما كان في السابق، لذلك فهذه اللجان تعمل خارج الإطار القانوني والنظامي، فلا يمكن أن تكون هناك جهتان إحداهما في وزارة العدل والأخرى في الغرف التجارية. ويزعم الجميعي حسب قوله: بأنهم «مجرد طالبي مناصب يستغلون العلاقات والمحسوبيات والوساطات في تلك الغرف، ويريدون فرض أنفسهم كمسؤولين عن المحاماة والمحامين وهم غير مخولين من قبلنا كمحامين». ويشكك المحامي الجميعي في أهلية وقدرة أعضاء اللجنة على القيام بأدوار إيجابية للمهنة والمنتمين لها «ما يؤدونه ويمارسونه مجرد وجاهة إعلامية، وما قدموه ليس سوى مجرد حفلات ولقاءات وندوات وفعاليات هزيلة لا تتعدى التعريف بدور المحامين وأهميتهم، وما شابه ذلك من موضوعات تثقيفية مستهلكة وسطحية، ثم تحولت فعالياتها إلى مهاترات وصراعات تسيء إلى المهنة وتقدح فيها وتضر بها وبسمعتها وتزعزع الثقة بالمنتسبين إليها». تدخل مرفوض ويرى المحامي أحمد الراشد الذي رفع دعوى عدم شرعية لجان المحاماة ينظرها ديوان المظالم في غضون الأسابيع القليلة المقبلة ل«شمس» أن «المحامين يرفضون تدخل الغرف التجارية في شؤونهم وتنظيمهم وأخذ الرسوم منهم، وأن تكون تلك اللجان التابعة لها ممثلة لهم ومسؤولة عنهم وعن المهنة، ومجموع أعضاء تلك اللجان، وهم أعضاء اللجنة الوطنية للمحامين، لا يتعدى 20 محاميا، حيث إنهم لا يشكلون حتى نسبة 1 % من الأعداد الحقيقية للمحامين الموجودين بالمملكة، وبالتالي ليس لهم ولا للجنتهم ولجانها الفرعية أي صفة شرعية، بل هم ثلة من المحامين، هدفهم البروز والتنافس على المسميات والمناصب على حساب القطاع العريض من المحامين وعلى حساب قضاياهم ومطالبهم». بلا سند ويعتقد الراشد أن تلك الغرف لم تعط أي سند قانوني لتنظيم مثل هذه اللجان الخاصة بالمحامين، وليست لها أي ولاية أو اختصاص بذلك ولم تخول من جهة الاختصاص، ومؤكدا أن دعواه تطعن في تلك الولاية «العديد من المحامين يؤيدون ويؤازرون دعواي ضد الغرف التجارية، وأعتقد أنه لا ينتمي لتلك اللجان إلا عدد قليل جدا من المحامين الموجودين بالمملكة، ودعواي تتضمن عدم شرعية وقانونية حصول الغرف التجارية على رسوم مقابل الانضمام إلى تلك اللجان أو مقابل العضوية». ليست مظلة ويثور اعتقاد لدى المحاميين الجميعي والراشد، على أنه «لا يمكن أن تكون اللجنة هي المظلة الحقيقية للمحامين والمتحدث الرسمي لهم، وهي لن تكون قادرة على القيام بمسؤوليات فعلية لتطوير المهنة في الدفاع عنهم وتقديم خدمات للمحامين تراعي مصالحهم». ويصفان اللجنة من منظورهما بأنها عبء على المهنة، وهي تأتي على حساب المصلحة العامة، وما يجب أن تكون عليه مهنة المحاماة كمهنة إنسانية محترمة ذات تنظيم علمي وقانوني دقيق ومؤسسات ولجان تستمد مبادئها وأدوارها من خلال طبيعة مهنة المحاماة وأخلاقياتها .