صادم أن تتفاجأ برواج قناعة تزويج الصغيرة بداعي أنها «تفهم كل شيء» فالبنت ما إن تبدو عليها مظاهر الأنوثة، حتى يتم الاستنفار استعدادا للتخلص منها، أو عفوا لتزويجها! هناك خوف غير معلن «أحيانا» من انجرافها نحو الخطأ، لذا يكون السعي لتزويجها استباقا لشر مستطير قد يحدث، فكما يجادلني أحد الأصدقاء، خشية أن يلعب بعقلها أحد الذئاب البشرية فتذهب عفتها، يجب تزويجها وهي صغيرة لتصبح مسؤولية «شخص آخر»! فليس المهم حسب فهمي له، ألا ترتكب الفتاة الخطيئة، بل ألا تكون تحت مسؤوليتهم وقت ارتكابها! في استبيان صغير قمت به سألت عددا من الأشخاص «من خلفيات ومناطق مختلفة» عن العمر المناسب لتزويج الفتاة، لتتراوح إجاباتهم بين 18 و 21، ما عدا ثلاثة أشخاص فاجؤوني بإجابة «عندما تبلغ» بغض النظر عن عمرها! مستشهدين بزواج الرسول عليه الصلاة والسلام بعائشة وهي بنت تسع سنين. ولا أستطيع أن أقول إن استبياني يشكل الأغلبية، ولكنه مع التقارير والدراسات التي تقوم بها المراكز والجمعيات ذات العلاقة تعطي مؤشرا متباينا على مدى تقبل المجتمع لزواج الفتاة الصغيرة. تبقى مسألة تحديد سن الزواج للفتاة مسألة شائكة لم تحسم بعد في المملكة، ولست أظنها تحسم قريبا، فالنظرة إلى الفتاة هي نظرة يشوبها الجانب الحسي في كثير من الأحيان وإن غلفناها بأقوال براقة، فالفتاة لا تؤخذ ك «طرف ثان/ شريك» في الزواج عند كثير من الناس، بل هي «سقط متاع» مكمل له، لذلك يتم التفكير بأهلية الفتاة للزواج ب «البلوغ» أو «نضوج جسدها المبكر»، وتفضيل الشباب للفتاة الصغيرة «لأنها لا تعرف الدنيا!» أو «إنها عجينة يسهل تشكيلها كما تريد!»، فالبحث هنا لا يتم عن «شريكة حياة» بل عن «شريكة نكاح شرعية»! والغريب أن تظل مسألة زواج الصغيرات مشكلة عربية إسلامية بامتياز، تبرز في الدول ذات الفقر كمصر والمغرب وسورية واليمن، أو الدول التي تعاني من السيطرة القبلية على مظاهر الحياة، كباكستان وأفغانستان، فلماذا نعاني منها نحن في المملكة؟ وللأسى بقية.