لم تؤثر الأموال التي انهالت على مغني الراب الأمريكي الشهير مطاع بيل شيباز، في استمراره في طريق الضلال، إذ سرعان ما حولته إلى داعية من طراز «المشاهير». وبعدما سطع نجم المغني، اكتشف أنه مضطر لأن يبدأ من «اللا شيء إلى الشيء»، رافضا لغة الندم على أعوام فائتة قضاها بين الملاهي الليلية وحياة الخمور، معتبرا إياها «وقودا» وتجربة تعينه على الاستمرار في الدعوة. بالأمس حل المغني في المملكة، تائبا، رافضا كل مغريات الاستضافة في عدة بلدان غربية وعربية، مفضلا المملكة، بما تحويه من مضامين دينية وأخلاقية تحفظ له توبته، وتجنبه «عدم الثبات». «شمس» التقته بتنسيق مع مكتب الدعوة، فكانت محاور هذا اللقاء. كيف بدأت حياتك في أمريكا؟ ولدت من أبوين مسلمين، وهما من أطلقا علي اسم مطاع بيل شيباز، وعندما وصلت الثالثة من عمري، فقدتهما على يد عصابة اقتحمت منزلنا من أجل السرقة، ولصغر سني جلست بجوار جثة والدتي يوما كاملا، وأنا أعض يديها وأجزاء متفرقة من جسدها، لعلها تنهض، اعتقادا مني أنها نائمة، وهذه الحادثة تدل على الحياة التي نشأت بها وتتلخص في عنف وسرقات وإجرام. من كفلك مع شقيقيك بعد رحيل والديك؟ كفلتني أنا وشقيقي جدتي، لكنها كانت تعتنق الدين النصراني، وقد كانت ترفض وبشدة إسلام والدي فعملت على تربيتنا على الديانة النصرانية. طريق الشهرة وكيف كانت بداية اتجاهك للفن؟ عندما كنت أخرج للشوارع وأشاهد حياة العنف والقتل والسرقة والإجرام بكل أنواعه، أعود للمنزل، وأكتب ما شاهدته شعرا، وفي مرة أخذ أحد الأشخاص ما كتبته من أشعار، وعرضها على واحد من أشهر فناني الراب في أمريكا ويدعى تو باك Tow Pac ، والذي أعجب بها كثيرا، وطلب لقائي لأصبح بعدها أقرب صديق له حتى كان بمثابة الأخ الأكبر لي، وبعدها انضممت لفرقته وتركت الدراسة، لأنني أصبحت أكسب الأموال وهذا هو المهم بالنسبة إلي وقتها. كم كان عمرك عندما انضممت لفرقته؟ كنت صغيرا، حيث لم يتجاوز عمري 15 عاما. وحتى متى واصلت العمل في الفرقة؟ واصلت عملي مع تو باك tow Pac شعرا وغناء، وأخذت الشهرة والأموال تتزايد علينا حتى حان عام 1998م، عندما اغتيل تو باك عن عمر يناهز 25 عاما على يد عصابة، بعد أن وصلت مبيعات أحد ألبوماته لنحو 60 مليون نسخة. هل نقل لك تخوفات قبيل حادثة اغتياله؟ كنت أقرب صديق له، وأتذكر أنه كان يقول لي إن لدي أموالا طائلة، وقصرا على البحر، وأملك أفخم أنواع السيارات، وكل ما أخشاه أن أموت وأتركها، وهذا ما حدث له بعد خمسة أشهر على حديثه معي، عندما هاجمته عصابة في سيارته، وأمطرته بنحو 70 رصاصة من سلاح آلي رشاش، استقرت منها 13 رصاصة في جسده. وكيف تلقيت خبر إطلاق النار عليه؟ بداية لم أصدق الحادثة، ولكن عندما تأكدت منها، أخذت أمني النفس بنجاته، لأنه سبق أن أطلق عليه النار ودخل المستشفى وخرج معافى، فظننت أن هذه الحادثة ستكون مثل سابقتها، ولكن عندما رأيته أيقنت بقرب موته وهذا ما حدث. قيادة الفرقة بعد وفاة قائد الفرقة تو باك، من تولى قيادة فرقته الناجحة؟ قمت بقيادة الفرقة بعده ونجحت في المحافظة على نجاحها، بل وقدتها لنجاح آخر، حيث بعت 40 مليون نسخة من أحد الألبومات حول العالم، فوصلت الفرقة بقيادتي إلى قمة الشهرة، وأصبحت أمتلك الأموال الطائلة، وأفخم السيارات كالروزرويس والطائرات الخاصة والقصور وكل ما يخطر على قلب بشر من المتع الدنيوية الزائفة. مع الشهرة وتدفق الأموال عليك، هل تمردت على الدنيا؟ صدقني عرفت أنها متع دنيوية زائفة، أقولها حيث عشت كل تلك الحياة بأدق تفاصيلها، وصدقني أنني لم أر السعادة، ولم أشعر بالفرح يوما من الأيام، كنت أتعاطى الخمور والمخدرات، حتى أفقد وعيي، ولما أفيق من نشوتها، أتمنى أن يكون هذا اليوم آخر يوم في حياتي، لأن الأموال والخمور والمخدرات والنساء لا يجذبن السعادة أبدا. العودة للإسلام وكيف كانت بداية معرفتك أو عودتك للإسلام؟ بدأت معرفتي بالإسلام عندما خرجت ذات ليلة من الأستوديو، بعد أن انتهيت من تسجيل إحدى الأغنيات، وكنت وقتها في قمة تعاطي الكحول، حتى كنت قريبا من فقدي للوعي من تأثيرها، فقابلت شقيقي، واشتبكت معه في مخاصمة وضربته حتى أصيب بجروح في وجهه احتاج وقتها إلى علاجها بالغرز، وقد مر شخص مسلم وأنا أضربه فتدخل وفصل بيننا، قائلا: «ماذا سيكون شعورك بعد أن تفيق من تأثير الكحول، وتعلم أنك قتلت شقيقك؟». فوقعت هذه الكلمات في نفسي فأصبح هذا الرجل المسلم بعدها يعترض طريقي يوميا، وينصحني ويدعوني للذهاب للمسجد، وكنت أعتقد أن المسجد مكان لتسكع المسلمين كما هي الأندية والبارات، والتي نعدها أماكن لتسكعنا نتعاطى فيها الكحول والمخدرات ونحمل السلاح، وكل من يعترضنا لا نتردد في إطلاق النار عليه، وبعد تفكير قررت الذهاب للمسجد وحملت أسلحتي ومخدراتي، فلما دخلت فوجئت بما رأيته من هدوء وطمأنينة بين راكع وساجد وقارئ للقرآن الكريم، فأحسست بالسكينة، فطلب مني الموجودون أن أصلي، فقررت التجربة وبعدها أحضروا لي نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم فلما قرأتها، وجدت تأثيرها في نفسي وأيقنت أن هذا الكلام ليس كلام بشر، ولكنه كلام خالقهم، فعرفت أن الدين الإسلامي الدين المنزل من الله وأنه دين الحق، فاعتنقت الإسلام وهجرت الغناء، لتتغير حياتي للأفضل. فارق واضح هل وجدت فارقا حقيقيا بين حياة التسكع كما تصفها، وما بعد عودتك للإسلام؟ حقيقة هناك فروق كبيرة فقد شعرت بمعنى وجودي في الحياة وأحسست بالسعادة التي لم أجدها إلا في الإسلام، بعد أن كانت حياتي بلا معنى، فالآن أصحو صباحا وأنا راض عن نفسي، ولا أخشى الموت وأصبحت أعيش بأمل وآمال كبيرة. وهل تغيرت نظرتك لحياة العالم الغربي بعد أن جربت غيرها؟ حقيقة العالم الغربي أسس على «لا شيء»، فهم يمارسون في كنائسهم أشياء أخرى، بعيدة حتى عن التعاليم الدينية المذكورة في الكتب المقدسة. خطأ الشباب ولكن هناك من المسلمين من انبهر بحياتهم، ويرى أنها الحياة المثالية، وأنت تصفها باللا شيء، فما ردك؟ سأختصر كل ما تبحث عنه من إجابة، فيما ذكرته في محاضرتي التي ألقيتها على نزلاء دار الملاحظة في الرياض، حيث قلت لهم: «إنكم تملكون كنزا ثمينا لا يقدر بثمن، يتمثل في الدين الإسلامي الذي هو خياركم، وكنا في الغرب لا نملك الخيارات، حيث نشأنا على لا شيء، ولا نعرف الحق وكنا نجهله، ولما وجدناه اتبعناه، وأنتم الحق بين أيديكم وتتركونه لتبحثوا عن غيره، وأعلم أن هناك من اغتر منكم بما تشاهدونه على الشاشات من حفلات الراب والخمور والنساء، وتتمنون أنكم معهم، وترون أنهم يعيشون حياتهم، واليوم أنا كنت واحدا ممن تتفرجون عليهم، وتبدون إعجابكم بهم وأقولها لكم بكل أمانة وصدق والله ما وجدت سعادة مع هذه الأشياء، بل وجدتها في الإسلام، الذي هو بين أيديكم، فاحمدوا الله أنكم مسلمون، وأنكم ولدتم من آباء مسلمين وتتحدثون لغة القرآن، والتي أتمنى لو أتقنها حتى أفهم ما أتلوه من القرآن، فكل هذه المميزات موجودة بين أيديكم، ولكنكم تتركونها لتبحثوا عن الخطأ والضلال، لأن الشيطان يقصدكم لأنكم خير أمة أخرجت للناس. فسخ بالثلاثة وماذا فعلت مع شركات الإنتاج التي ترتبط معها قانونيا بعقود؟ عندما قررت ترك الغناء، لم أفكر في عواقب الأمور، وكما يقال «من يقرر ركوب البحر، يتوقع الموج»، لذا بادرت بسداد كل الغرامات المترتبة من إنهاء العقود ولله الحمد، وهذا ما جعلني أعود لنقطة البداية. وما موقف شركات الإنتاج من قرارك المفاجئ بهجر الغناء؟ انهالت علي عروض مالية كبيرة لم تخطر على بالي قط من شركات إنتاج مختلفة لأجل عودتي للغناء، ولكني رفضتها جميعا، وتركتها لأكون سعيدا للأبد. وما ردود أفعال أسرتك بعد إسلامك وهجرك للكفر والغناء؟ لم يكونوا مصدقين إطلاقا، وخاصة شقيقي الأصغر الذي كنت أدخل معه في جدال كبير لا ينتهي حول الدين الإسلامي. ألم تحاول التأثير في شقيقيك وزوجتك الأمريكية الأولى وأبنائك منها وأعضاء فرقة «الخارجون عن القانون»، لإقناعهم بدخول الدين الإسلامي؟ بلى، وبفضل من الله ومنته، اعتنق الدين الإسلامي شقيقاي وزوجتي الأمريكية وأبنائي، وجميع أعضاء الفرقة. اختيار المملكة ولماذا وقع اختيارك على السعودية تحديدا للاستقرار فيها؟ صدقني عرضت علي الكثير من الدول الاستقرار فيها مثل بريطانيا من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، الذي تولد لدى صغار السن بسبب موسيقى الراب، ووصلني خطاب من الشرطة البريطانية لإلقاء محاضرة هناك، وأيضا وصلتني دعوات من جمعيات في هولندا وبلجيكا، لكنني عندما كنت قبل ثلاثة أسابيع في أستراليا لمتابعة أول عرض لفيلمي الوثائقي عن حياتي، وانتقالي من الضلال إلى الإسلام، وبعدها تم عرضه في قطر قبل أسبوعين، عرضت علي دولة قطر الاستقرار بها مع توفير الإقامة والرواتب، ولكني رفضت جميع العروض التي قدمت لي، لأنني أتمنى العيش هنا في السعودية، لأكون قريبا من علمائها وخاصة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والذي سعدت بزيارته ولقائه وكذلك الشيخ عبدالله المطلق الذي زرته برفقتكم وأتمنى زيارة الشيخ الفوزان قريبا. والأمر الآخر الذي جعلني أتمسك بالبقاء هنا أنه ومن خلال رحلاتي الدعوية حول العالم لمست أن هناك حملة شديدة ضد السعودية ومشايخها دون مبرر، واتهامهم بالإرهاب والتطرف، لذا أخذت على عاتقي تغيير هذه الصورة المظلمة، وأدعو الله أن ييسر لي وللإخوان في مكتب الشفاء، والمشايخ لعمل محاضرات وكلمات مترجمة على أشرطة تنشر هناك، إضافة إلى زيارة المشايخ الأفاضل لمختلف الدول لتغيير هذه الصورة المشوهة. إعجاب بلا ندم ماذا أعجبك في المجتمع السعودي ولفت نظرك؟ بصراحة ومن دون مجاملة المجتمع السعودي يختلف عن كل المجتمعات بترابطه وتواده وتراحمه وتعامل أغلب أفراده، فالمملكة منبع الإسلام والكرم، وكل هذه الأشياء أسعى لاكتسابها مع زوجتي وأولادي، وأكثر ما لفت نظري هنا الأمن الذي تحسدون عليه، فالطفل الصغير يستطيع الخروج للصلاة في المسجد دون خوف، بعكس المجتمعات الغربية التي لا يحصل بها ذلك أبدا نتيجة لانعدام الأمن. هل أنت نادم على حياتك السابقة بسلبياتها؟ لا أعتقد ذلك، بل أرى أن هذا هو أمر الله ولعلها خيرة لي، فالتائب عن الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما قبلها ، كما أنني أعدها خبرة أستغلها في الدعوة إلى الله .