أعلم ما تفكرون به وما أمنياتكم وماذا تريدون فأنا أعلم أن الماء والكهرباء والطرقات والمستشفيات وباقي الخدمات تأتي في مطلع اهتماماتكم لأنني أعي أن هناك مرضى تضيق بهم المشافي وآخرون تلفظهم مقاعد الخطوط الجوية، كما أعي أن هناك متضررين بسبب الحفريات والمطبات وسوء الإنارة وأعي المصاعب والعقبات والهموم التي تحاصرنا من كل جهة! وأعلم أيضا أنني حين أتحدث عن (صحة الكتابة) فإن الأمر سيبدو سمجا بلا قيمة ولن يعني لكثير من القراء شيئا، إلا أن الأمر خطير جدا فكلماتنا هي حاضرنا الذي نظهر به وأثرنا الذي يبقى إن مضت أجسادنا، إنها واجهتنا الحضارية وهي المؤشر الصادق على مدى وعينا وعلمنا وثقافتنا وحضارتنا، لا يظن البعض أنني أدعو للتبحر في علوم اللغة إنما هي دعوة للإلمام بقواعد الإملاء البسيطة جدا، فلنجب عن هذه الأسئلة: لماذا لا يستطيع الكثير منا كتابة جملة أو جملتين بشكل سليم؟ لماذا نكاد لا نجد جملة تخلو في الأخطاء الإملائية؟ لماذا يتخرج المرء لدينا من جامعة ما وهو لا يستطيع كتابة بضعة أسطر لحاجة ملحة فضلا عن التعبير عن أمر ما؟ لماذا نجد فلانا خريج لغة عربية لا يعرف الفرق بين التاء المربوطة وأختها المفتوحة فضلا عن ابنة عمهما هاء الغيبة؟ ثم: أليست الكتب التي ندرسها على مدار المراحل التعليمية هي بلغة سليمة فصيحة؟ أليست كل تعاملاتنا وأوراقنا الرسمية هي بتلك اللغة؟ ألسنا نأخذ ديننا من الكتب الراسخة في العلم؟ إذن أين المشكلة؟ هل المشكلة فينا نحن؟ أم في المدارس والأسر؟ أم في معلمينا ومعلماتنا؟ أم هي طرق التعليم لدينا؟ أم هي في المجتمع الذي علمنا تضخيم بعض الأمور لأجل تحجيم أخرى؟ أظنها في كل ما سبق لذا نرى المرء يحصل على درجة عالية في تخصص صعب وهو عاجز عن كتابة سيرته الذاتية مثلا. أليس من المحزن المضحك أن نرى دكتورا أو طبيبا بلغ من العلم شأنا عاليا ولا يستطيع الكتابة بلغته بشكل سليم؟ أخيرا: ما فائدة العلم والفكر إن لم نستطع أن نعبر عنه بلغة سوية تظهر ما لدينا بشكل حسن وترضي ذائقة من يقرؤون لنا؟