«الأرقام لا تكذب.. ولكن تتجمل»، يعرف هذه الحقيقة كل من يعمل في مجال المحاسبة أو العلاقات العامة والإعلام، فأنت تستطيع أن تتلاعب بالأرقام كيفما تشاء، تضخم ما تريد، وتحاول إخفاء ما لا ترغب في كشفه، فالأرقام يستخدمها المسؤولون الحكوميون لإبراز «منجزاتهم» العظيمة تبريرا لتقصير أو تورية لضعف آخر، وبما أن العرب هم من اخترعوا «الصفر» في الرياضيات، فنحن لا نكف عن إضافة الأصفار إلى العديد من المشاريع في كل عام، لننتقل من خانة مشاريع بمئات الآلاف من الريالات، إلى مشاريع مليونية ثم مليارية، ولا تتفاجأ حين تشاهد إعلانا «مبوبا» في إحدى الصحف الزميلة على امتداد صفحة الإعلانات المبوبة بالبنط العريض واللون الأسود «مطلوب عقود مليارية من الباطن أو مباشرة»! ولك أن تضع ما تشاء من علامات استفهام و.. غياب! تبقى التقارير السنوية للجهات الحكومية إبداعا مختلفا، وفضاء لجعجعة أرقام وأصفار عديدة، إذ أوردت صحيفة الحياة في صفحتها الأولى خبرا عن التقرير السنوي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المزمع مناقشته في مجلس الشورى، يتضمن إنجازها بالقبض على قرابة ربع مليون شخص بين مواطن ومقيم في قضايا منوعة تتصدرها الأخلاقية ثم قضايا العبادة، فالمسكرات، فالمخدرات، فالمطبوعات، وبما أن الموقع الرسمي للهيئة لا يفتح لعطل في السيرفر، سأتناول التقرير والأرقام الواردة في صحيفة الحياة فحسب. ماذا يعني أن تبلغ عدد القضايا 251 ألف قضية تورط بها أكثر من 281 ألف نسمة وأكثر من ثلثهم في قضايا أخلاقية؟! وحين يتم إنهاء 90 % من «إجمالي القضايا» بالتعهد والمناصحة تطبيقا ل «مبدأ الستر»، فما كان سبب الضبط ودواعيه؟ 55 ألف شخص تمت إحالتهم للجهات المختصة، مدينتان فحسب تستحوذان على 70 % تقريبا من القضايا، العاصمة الرياض ومكة المكرمة!. لا أحد يدعي أننا مجتمع فاضل، ولكن أيضا لسنا بمجتمع رذيلة وعهر، فهل كانت هذه القضايا مجرد إثبات «وجود»؟ شيء أخير.. النسب الواردة والقضايا لهذا العام أقل من العام الماضي ب «19 %!» راح عليهم «البونص»!.