منذ نشأت وأنا لا أعرف الهر المسكين إلا بصيغة «مفعول» فهو إما مضروب أو مسحوب من قفاه وذيله أو مرمي على وجهه أو معلق من رقبته، وربما كان غرضا للرمي أو هدفا لمشاغبات الأطفال وحجارتهم. فهذه هي حالات هذا القط البائس الذي كنت لا أعرفه إلا مشردا تعيسا. كل قطط حارتنا الكبيرة هي أهداف معلنة لمخططات الاغتيال والتشريد ومادة دسمة لأطفال الحارة، فحدث شبه اعتيادي أن يمرق قط لا يكاد يلتقط أنفاسه بسرعة عالية كي يفر بجلده من أحد المقالب الصبيانية أو أحد الفخاخ المنصوبة له، والتي لم تعد تنطلي عليه وهو القط اليافع ذو الحكمة والتجربة، والخبرة في هذه البقعة من الأرض لا تحتاج كثيرا من الوقت!. وجود القط في الجوار قد يعني أحيانا الاستيلاء على حمامة لم تتدارك نفسها ويعني أن مجموعة الدجاج التي يحتفظ بها الجيران مهددة بالخطر، فليس غريبا أن يعرف صاحب الدجاج آثار القط الذي استولى على الدجاجة ونتف ريشها، فهذا القط البائس محروم محارب في البيت والشارع، وممنوع حتى من التقاط أنفاسه ومن لقمة عيشه من بيت تلك الفراخ أو أمهاتهن. وجدت نفسي مضطرا لوصف الحالة الذهنية لهذا القط الموجود في حارتنا الصبيانية، ذلك القط الذي كنت أعرفه بكل ألوانه المختلفة ونظراته المرتبكة من أجل أن أتعرف على نوع آخر من القطط بهرني وجوده وحضوره. حين كنت أصعد أحد المنحدرات القروية في تجمع صغير ومتواضع جدا من البيوت المستلقية على تلك الخضرة الناعمة في دولة «ماليزيا» الآسيوية، صادفت بيتا مبنيا بشكل بسيط جدا لعائلة فقيرة جدا. وفي وسط تلك البساطة والتواضع المادي، هناك خلف هذا البيت الصغير مكان مفتوح للهواء والشمس، فيه أنواع مختلفة من الدجاج كبيرها وصغيرها، وقفت أتأمل تلك المجموعة لأصاب بالذهول من وجود قط آمن مستوطن بين كل تلك الدجاج يعيش بأمن واطمئنان. اقتربت من ذلك القط وحاولت مشاغبته، لكن كل ذكرياتي الطفولية وتحرشاتي لم تشفع عنده في أن يكون شرسا أو أن يغير رأيه حول هذا التعايش السلمي، ولم أصدق أن ذلك الهر نفسه الذي شهدته طفولتي المبكرة أصبح متعايشا يؤمن بالسلم والمصالح المشتركة.