عادة ما يوجه لي الأصدقاء سؤالا يبدو بالنسبة إلي أحجية تستلزم مني الضغط على «صدغي» في محاولة عابثة لاستدعاء المعلومة دون الخروج بإجابة شافية، وعندما أسأل نفسي هذا السؤال أجدني بالفعل أبرر الأمر بأن أغلب الأعمال السينمائية أشبه ما تكون بالوجبات السريعة؛ حيث لا يمكن أن تحفر لها مكانا في أرشيف الذاكرة البشرية لأرتاح من عناء الإجابة، على عكس ما حصل في أحد الأيام حين استيقظت قرابة التاسعة صباحا وعندما طلبت الإفطار من الكافتيريا المجاورة اكتشفت نفاد الشاي مما يستوجب النزول إلى التموينات المجاورة للتزود به، وقبل ذلك كنت قد فتحت التليفزيون في محاولة لمعرفة الساعة بالضبط، وفي طريقي للبحث في القنوات وقعت على أول مشهد من فيلم «سونيا والمجنون»، وهذا الفيلم تقريبا أنتج قبل مولد أغلبنا كتابا وقراء، حينها توقفت عن مشروع إكمال وجبة إفطاري بإحضار الشاي، لمجرد ظهور أول مشهد في العمل الذي يسرد أمامي قصة تجذبني للمتابعة بدقة متناهية، وكان هناك صديق يحادثني عبر «الماسنجر» الذي تركته مفتوحا منذ البارحة، فطلبت منه متابعة الفيلم وعند كل فاصل إعلاني أقول له هذا الفيلم رغم متابعتي الأولى له أشعر بأني أعرفه أو على الأقل أشعر للمرة الأولى بأني مرتبط به ارتباطا لم أعهده حتى مع أفلام هوليوود التي أسرف في متابعتها، عندها أدركت أن الحاسة البصرية لم تكن هي المنجذبة للفيلم ذي اللونين الأبيض والأسود، ولا لمشاهد إغرائية، بل عرفت وأيقنت أن هذا الفيلم يداعب حاسة أخرى إن صح التعبير قد تكون فكرية أكثر من أن تكون بصرية وإن اختلفنا مع الفكرة.