في العيد يندلق الصباح من نحر الكون الوضيء، يتلبسنا الفرح رغم أرواحنا الملوثة بالانكسار، يراودنا فيه الفقد فنتمرغ بالأمنيات الجميلة، نقيّد مشاعرنا المفضوحة بأطواق الأمل والنرجس والتناسي، نتنفس فيه طهارة الوقت ونصاعة الفداء، نبصر لون الصدق يتطاير من ابتسامات الأطفال فيجمع ما تبعثر داخلنا من أحاسيس، نجمع قبلاتهم في ذاكرة القلب كي ننفقها حين تكتظ جيوبه بالحسرات. في العيد يتحول المرء منا إلى كائن آخر، فيجري ويقفز ويجمع الحلوى إشفاقا بذلك «الطفل» الذي يسكنه ويستفزه حين يجفل، أحيانا يغمض عينيه ويختبئ خلف جدار بعيد حين يتداعى القوم على قربانهم ولكنه يعود بشجاعة فالمشهد الأخير يختصر له الحكاية رغم اتساعها. نتصفح الوجوه الملونة بالعيد، نبحث عن ملامح نفتقدها لكننا نحاول جاهدين ستر الشوق بحجاب الابتسامة لنحتفي بالوفاء! في العيد نمعن في الدماء المهرقة فتعود بنا الذاكرة لجدنا إبراهيم وابنه البار، عليهما السلام، وإلى الأرواح التي قضت نحْبَها حين مضى محمد عليه الصلاة والسلام يزرع الضوء، وأخرى على ضفاف الزيتون والبرتقال ما زالت تترى. أي «فكرة» هذه التي أزلفت هذا «الجود» وسبرت هذه القرون متقدة ولا تزال؟ وأي جود هذا الذي تجاوز النفس؟ وأي عقل ذلك الذي لا يخضع أمام تواتر هذا الفداء والعطاء؟ وأي قلب هذا الذي لا يبتهج بهذا الدفق العظيم؟ لذا علينا الاحتفاء بهذا البياض المتجاوز ودفن رماد الأيام ولو لبضع ساعات اغتباطا وانتشاء، علينا أن نجرع الانتكاسات والانكسارات لنبلسم أرواحنا المشغولة بالوجع لننتشي كانتشاء عقولنا المأزومة باحتساء قهوة مُرة في مساء مثقل بالاغتراب! أخيرا لا بد من القول إن العيد لوحة ملأى بالتفاصيل المختلفة نلونها نحن كيف نشاء فما أجمل أن نلونها بأبهى وأصدق الألوان لنشعرها بشكل مختلف.