«من له حيلة فليحتل».. «التجارة شطارة» عبارات كثيرا ما تسمعها تتردد على ألسنة دافعي العربات الذين يقفون على حدود الحرم من أجل الدخول والتكسب المادي، وفي ظل المنع المفروض رسميا بسبب عشوائية عملهم ابتكروا حيلا جديدة بداعي «التجارة شطارة» فهم يدفعون أصدقاء لهم بعد أن يلبسوهم الإحرام إلى البوابات الرئيسية للدخول إلى الحرم، مقنعين الأمن بأن أولئك حجاج، وعندما يتم السماح لهم بالدخول تبدأ مهمة العمل اليومية الشاقة والمربحة في آن معا، حيث يحققون يوميا أرباحا تزيد على الثلاثة آلاف ريال لكل منهم. وأكد صالح وتركي وحسام وهم ثلاثة أصدقاء سعوديين يمارسون عملهم يوميا على عربة متحركة، أنهم فضلوا العمل الحر على حساب العمل الملزم الذي لا يحقق لهم أي عائد مادي مجزٍ، يقول صالح الذي اكتفى مع صديقيه بذكر أسمائهم الأولى فقط وامتنعوا عن التصوير: «الوظائف المتاحة من قِبل الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين جيدة لكنها محدودة وغير مقنعة فيما يتعلق بالأجور، هناك ساعات دوام محددة، والعمل مرهق، وفي النهاية لا نحصل على كل ما نريده، لذلك فضلنا العمل الحر، فهو قياسا بالأعوام الماضية أكثر إغراء ونحصل من خلاله على أرقام كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف مع نهاية موسم الحج». ويضيف «هو رزق ساقه الله لنا، بالتالي نحن حريصون على العمل من أجل الحصول عليه، أخيرا أصبحنا نتبع بعض الحيل لتحقيق ما نريد لكن مفهوم التجارة شطارة هو ما يجعلنا نقوم بذلك، ونرى أن في عملنا خدمة لضيوف الرحمن ومن خلاله نحقق الكسب الحلال». ويعد تركي أنه لا عيب في العمل إطلاقا، وأهالي مكة أوفر حظا من غيرهم، فهناك الكثير من المواسم التي بإمكانهم العمل وتحقيق الربح، لكن المطلوب منهم هو الجدية في طلب الرزق، يضيف: «نحن ثلاثة أصدقاء تحصلنا على عربة بقيمة 350 ريالا، ونأخذ أجرتها ودفع الحاج بها بدءا من 400 ريال للطواف أو السعي». وبسؤاله عن سر ارتفاع الأسعار يقول: «بإمكاننا أن نضع أسعارا أقل من هذه، لكن الزحام الشديد يكاد يخنقنا، فحركتنا محدودة، ونطوف بالحجاج في الدور العلوي بالتالي نحن نحتاج إلى ثلاث أو أربع ساعات لنؤجر العربة إلى آخر، ما يعني أن الوقت يطول، بالتالي لا بد أن تتضاعف الأجرة». وعن الزبائن يجيب: «معظمهم من النساء وكبار السن، وهؤلاء يدفعون مباشرة لعلمهم أن ما سيقدمونه لنا مستحق، خصوصا في هذه الأيام التي تشهد ازحادما كبيرا». ويشير حسام إلى أنهم يصرفون على أسرهم من المبالغ التي يحصلون عليها: « نحن نتحمل ساعات العمل الطويلة والإرهاق والتعب من أجل تسديد الديون عن أسرنا ومساعدتها على العيش، هذا الموسم نجد فيه متنفسا حقيقيا لنا وننتظره منذ زمن بعيد، وأرباحنا فيه ولله الحمد ممتازة وندعو الله ألا يغير علينا». ويتضامن الشاب عبدالله المالكي مع ما ذكره حسام، ويؤكد أن الحاجة هي دافعهم الأول للعمل، إلى جانب خدمة ضيوف الرحمن: «تجارة الحج مربحة جدا، فإلى جانب العربات المتحركة، نتحرك عبر دراجات نارية ننقل الحجاج من منطقة إلى أخرى مقابل مبالغ مالية تصل إلى 300 أو 400 ريال بحسب الرحلة، وفي نهاية الموسم نجد أننا جمعنا ما يقارب العشرة آلاف، العمل متعب جدا، يحتاج إلى صبر ومثابرة، وهي أيام محدودة، نصبر على تعبها لنحقق ما نريد». من جانب آخر، أوضح مدير إدارة العربات بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي محمد بن علي الشمراني أن الإدارة تهتم بتقديم خدمة العربات لضيوف الرحمن التي يستفيد منها كبار السن من الرجال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى، ومنها العربات المجانية التي تطلب من مكتب تسليم العربات بالساحة الشرقية للمسجد الحرام، ويصل عددها إلى خمسة آلاف عربة، كما يساهم مشروع تعظيم البلد الحرام ب 50 شخصا يقومون بدفع عربات الحجاج مجانا لوجه الله تعالى من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل. كما توجد عربات خاصة لبعض المواطنين من السعوديين يتم منحهم تصاريح خلال موسم الحج ويصل عدد تلك العربات إلى 600 عربة وتقدم بأجور رمزية ومواقعهم بالدور العلوي بالمسجد الحرام. وكذلك العربات الكهربائية والمعروضة بأجور رمزية ويصل عددها إلى 100 عربة كهربائية يتحكم فيها الحاج بنفسه ويطلبها من مكتب الصفا بالدور الأول من المسجد الحرام. وقال الشمراني إن إدارة العربات بالمسجد الحرام نظمت العمل المتعلق باستخدام تلك العربات داخل المسجد الحرام ومراقبة سير الأعمال ومنح الرخص لأصحاب العربات ولمساعديهم من الشباب السعودي، ويصل عدد العاملين في الإدارة لمراقبة تلك الأعمال إلى 125 موظفا يعملون على مدى 24 ساعة لأداء العمل على الوجه الأكمل ومراقبة الالتزام بالأسعار المحددة لعربات الأجرة وتنظيم الحركة داخل المسار المخصص للعربات عن طريق توزيع المراقبين بالمسعى وتنظيم العربات الخاصة وتفويج عربات الحجاج للدور العلوي عن طريق المصاعد الكهربائية، وكذلك توزيع المراقبين في المسعى بالدور الأرضي لتنظيم الحركة داخل المسار المخصص .