الفصام هو مجموعة أعراض نفسية متزامنة تظهر عادة قبل سن ال40، وتؤدي عموما إلى تفكك وتدهور شخصية الفرد، ويكون لدى المصابين بالفصام -في العادة- طرق شاذة وغريبة في التفكير والسلوك والمشاعر، فهم ينظرون إلى ما حولهم بطريقة غير سوية، وتهيمن على حياتهم الشخصية أفكار غير واقعية، كما تبدو انفعالات مرضى الفصام في أغلب أحيانها متضاربة ومتنافرة، وينقطعون عن أهاليهم وأصحابهم حتى كأنهم اعتزلوا الدنيا من حولهم. يفترض الباحثون أن الفصام يحدث بطريقة كيميائية حيوية، وأن المرض يحدث عادة عند الشخص الذي لديه استعداد وراثي أو مكتسب، وربما يحدث بسبب إجهاد نفسي أو مرض عضوي أو عوامل اجتماعية، أو ربما حدث بشكل تلقائي دون وجود سبب واضح، ولهذا يبدو الفصام اضطرابا معقدا يحدث على مستويات متعددة تلعب فيها العوامل الوراثية -وهي الأهم بينها- والنفسية والفسيولوجية العصبية والاجتماعية والكيميائية الحيوية، أدوارا مهمة. الوراثة: ينتقل الفصام بالوراثة في أسر المرضى، على الرغم من أن 60 % تقريبا من المصابين بالفصام لا يوجد في أسرهم تاريخ مرضي سابق يدل على حدوث الفصام. ورغم أن هناك بعض الفرضيات التي تفترض أن المرض ينتقل بذاته، إلا أن الأرجح هو أن الذي ينتقل هو القابلية والاستعداد للإصابة بالمرض، إذا توافر ما يدعو إلى حدوثه من أقدار الله. وليس من المعروف على وجه الدقة ما دور الوراثة في حدوث الفصام؟ كما أن طريقة انتقال المرض وراثيا غير معروفة، ففي حين تفترض بعض الدراسات أن انتقال الاستعداد للإصابة بالمرض يتم من خلال مورثات جينية، كما تشير بعض الدراسات الأخرى إلى احتمال ارتباط الفصام بخلل في الكر وموسومات المحددة للصفات الوراثية بخلية الإنسان. وأعد الباحثون دراسات عن علاقة الوراثة بالفصام، خصوصا في النصف الثاني من القرن ال 20 وما زالت مستمرة، وتركزت على ثلاثة جوانب هي: 1. حدوث المرض ضمن شجرة الأسرة. 2. مقارنة حدوث المرض بين التوائم المتماثلة والتوائم غير المتماثلة. 3. مقارنة حدوث المرض في حالات تبني الأطفال من والد أو والدة، أصيب أحدهما أو كلاهما بالمرض، مقارنة بحدوثه في حالات التبني لأطفال من والدين أصحاء. ورغم أن الدراسات الوراثية أفادت بما لا يدع مجالا للشك أن الوراثة عامل مهم لحدوث المرض، إلا أنها لم تقدم شرحا وافيا من حيث تحديد العوامل الوراثية الفعالة وطبيعتها وكيفية انتقاله، كما أن نتائجها متفاوتة بين الباحثين وليس منها ما يؤكد أن العامل الوراثي هو العامل الأوحد في حدوث المرض، ما يفرض وجود عامل آخر أو أكثر يساهم في حدوث المرض. ولمقارنة التأثير البيئي بنظيره الوراثي أعد بعض الباحثين دراسة لنسبة انتشار مرض الفصام بين مجموعة من الأشخاص الذين تعاني أمهاتهم مرض الفصام، لكنهم تربوا وترعرعوا في بيئة مختلفة، وتم مقارنتهم بمجموعة أخرى من الأشخاص الذين لا تعاني أمهاتهم مرض الفصام لكنهم نشؤوا في بيئات مماثلة للمجموعة الأولى، فوجد أن بعض أفراد المجموعة الأولى أصيبوا بالفصام في حين لم يصب أحد من أفراد المجموعة الثانية. ومما يدعم دور العامل الوراثي أيضا، ما بينته الدراسات التي أجريت على التوائم، حيث وجدت أن احتمال إصابة أحد التوأمين بالمرض إذا أصيب التوأم الآخر تصل قريبا من 50 % في التوائم المتماثلة في حين أن النسبة تقل إلى 10 % فقط في التوائم غير المتماثلة، حتى لو نشؤوا في بيئات مختلفة، ما يعكس بجلاء البعد الوراثي لهذا المرض. وإجمالا فإن احتمال إصابة أي فرد في الأسرة بالفصام يزداد كلما ازدادت درجة قرابته لمريض الفصام. أ. د طارق علي الحبيب بروفيسور استشاري الطب النفسي