وسط عزلة مرتفعات التبت الموحشة، وفي طقسها القاسي وجبالها الهائلة، ولدت حضارة فريدة عاش بين أحضانها شعب غامض، هم مزيج من البيض والمغول، تعود أصولهم إلى قبائل التشيانج الوسط آسيوية التي عاشت على الرعي منذ ما قبل الميلاد. وبسبب الظروف المناخية والجغرافية، عاش هؤلاء القوم منعزلين عن العالم في منطقة جنوب غربي الصين يسميها الرحالة «سقف العالم» لأنها ترتفع عن سطح البحر نحو 4900م، وهذا ما دفع العلماء إلى محاولة اكتشاف سر تأقلم التبتيين مع هذه الحياة الشاقة، وانتهت دراسة أجراها البروفيسور «تاتوم سايمنسون» إلى أن لديهم نوعا من الجينات يبقي معدل «الهيموجلوبين» منخفضا في الدم، وهو ما يعينهم على تحمل درجات البرد القارس. تنتمي التبت اقتصاديا إلى الحضارات الرعوية التي امتدت مناطقها من أواسط آسيا إلى إفريقيا عبر شبه الجزيرة العربية، كما يمارس التبتيون الزراعة في السفوح الجنوبية والجنوبية الشرقية، ويتمتع أبناؤهم بالشجاعة والمهارة في رمي السهام وترويض الخيول، ويمارسون عدة نشاطات ترفيهية تقليدية، كشد الحبل والغناء والرقص والمصارعة. ورغم الاضطهاد الذي مورس عليهم، لا يزال التبتيون ميالين إلى التعايش والسلام، وهم في معظمهم بوذيون وثلثهم تقريباً يدين بالإسلام، ويبلغ تعدادهم الرسمي ثلاثة ملايين نسمة، وهم خاضعون لجمهورية الصين الشعبية منذ خمسينات القرن الماضي، لكن الدالاي لاما، زعيمهم الروحي، أنشأ حكومة في المنفى رافضاً حتى اليوم الاعتراف بالتبعية للصين، ومصرا على انتهاج الطرق السلمية في تحرير شعبه من نير الحكم الصيني.