يتساءل أحد الزملاء كيف أكنى «أبا سعود» بينما والدي يرحمه الله اسمه محمد. وحين أخبرته أن ابني الثاني يحمل اسم الوالد، استغرب أيضا: لماذا لم يكن الأول؟ ثم أردف أن من البر أن تسمي أول أبنائك باسم أبيك. لم أواجه استغرابه باستغراب مماثل على اعتقاده أن التسمية لها علاقة بالبر، لكنه فتح لي الباب على موضوع اجتماعي جدير بالطرح وهو ظاهرة تسمية الحفيد على جده، وقد ذكرني بصديق باركت له بمولوده الأول وحينما سألته عن الاسم الذي اختاره له أجابني: «إنه مسمي نفسه»! وفهمت أنه سماه على اسم أبيه الذي لا يزال على قيد الحياة، حيث إن هناك من لا يسمي على والده إلا بعد الوفاة. وهذه البرمجة من عيوب الديدن الاجتماعي الذي فرض سطوته حتى أصبح كسر القاعدة استثناء، وصودرت أحقية الخيار لتسمية الابن واختيار الكنية التي يتميز بها، وتزداد ضغوط هذه الظاهرة على الابن الأكبر ليسمى على والده وتخف على بقية الإخوة الذين يتمتعون بقدر أكبر من الحرية في اختيار ما يريدون ويحققون جزءا من مظهر من مظاهر الاستقلال في تكوين الشخصية. يبد أن الزوجة أيضا لها الحق في المشاركة في اختيار اسم وليدها، ومن الظلم أن تجبر أو تكره لتقبل كنية ستبقى معها طول العمر من أجل إرضاء التقليد الاجتماعي أو خاطر الأب الذي يسعد بتكرار نسخته ويضمن أن يبقى اسمه خالدا ما بعد رحيله، متناسيا أن من الذوق أن تترك التسمية لرغبة الوالدين وهما الأولى في اختيار اسم باكورة إنتاجهما، ولا مانع من تسمية من يأتي بعده إن كان اسم الوالد مألوفا، وإن كان غير ذلك فإن مصيره التغيير إذا كبر الولد. وهذا نوع من الاحتجاج على الإرغام الذي حصل بداية التسمية. وهذه الظاهرة قد كتب عنها الدكتور عبدالله الغذامي في كتابيه النقد الثقافي وحكاية الحداثة ولخص فيهما أنها دلالة على محاولة استحضار الماضي وإعادة تكراره وأملا في أن يكون الخلف مثل السلف وهو ما اعتبره مظهرا من مظاهر النسق الثقافي. أما القول إن التسمية من البر فلا أعتقد ذلك وإنما البر بالوالدين بطاعتهما في حياتهما والدعاء لهما بعد مماتهما والتصدق عنهما أحياء وأمواتا، أما التسمية بأسمائهما فهي من باب العاطفة والرغبة في إحياء ذكراهم والاستئناس بها.