كثير من المبتعثين ومن المجتمع السعودي يظن أن فكرة الابتعاث تحمل هدفا وحيدا هو جلب المعرفة الأكاديمية للبيئة السعودية وإحضار المعامل الأجنبية من بقاع مختلفة حول العالم للمختبر السعودي من أجل نهضة سعودية وصناعة سعودية وعلم سعودي أكاديمي. وهذا الهدف سالف الذكر لم يكن غائبا عن أذهان مهندسي فكرة الابتعاث، فالابتعاث كان من ضمن وأهم أهدافه هذه المعرفة الأكاديمية التي ابتعث من أجلها عشرات الآلاف من السعوديين في أنحاء العالم شرقا وغربا. ولكن ثمة هدفا آخر لا يقل أهمية عن هذا الهدف المباشر، ذلك هو هدف «الخبرة» بأوسع معانيها. لماذا هي الأهم؟ لأن المعرفة الأكاديمية المحضة على أهميتها وفاعليتها سهلة الحصول عبر العالم التقني والإلكتروني اليوم من أي مكان في العالم إلى أي مكان آخر دون الحاجة للانتقال والابتعاث والاغتراب ومفارقة الأهل والبلد. بيد أن الخبرة تعني التفاعل مع مجتمع آخر والاندماج مع إشكالياته والخوض في بيئته الاجتماعية وممارسة اللغة الثقافية فيه.. واكتساب صداقات مختلفة عالمية ذات بيئات مختلفة وخلفيات متنوعة وثقافات متباينة تعطي المبتعث السعودي كسبا عقليا هائلا في فهم المجتمعات الأخرى، والتفاعل معها والحوار الديني والاجتماعي حول عاداتها ومشكلاتها.. بل وتقاليدها الخاصة. هذه المعرفة والخبرة الاجتماعية والقانونية والثقافية هي حسب فكرة الابتعاث 80 % مما يكتسب المبتعث ومما يستفيده، على حين أن 20 % فقط هي الفائدة الأكاديمية في التخصص المبتعث لأجله. بالطبع كل هذا لا يعني أن التخصص في مرتبة متدنية، ولكن في خلال تلك الدراسة التخصصية والأكاديمية يحصل المبتعث على خبرة ربما لا تكون ذات صلة مباشرة بذلك العلم، وتلك الخبرة هي التي تصنع فهمه وشخصيته ومعرفته بالأشياء وتقييمه للناس، وهذه الخبرة هي أهم ما يكتسب المبتعث. وفي النهاية.. سأقول من جديد: الخبرة أولا.