عطفا على حديثنا السابق عن انتخابات الطلاب السعوديين في القاهرة، يعتقد البعض أن الغاية في السياسة تبرر الوسيلة، لذلك فمن أجل الوصول إلى الصوت الانتخابي فلا مانع من توظيف واستغلال كافة السبل لأجل هذا الغرض، شرط ألا يكون مخالفا للقانون. فمن لا يأتي به إلا المال فليحصل على المال، ومن لا يأتي به سوى الشعارات فليقدم له الشعار الذي يريد، ومن لا يقبل إلا بالشراكة فليجلس لأجل التفاوض حول الموضوع، كل الوسائل قابلة للدراسة والطرح، في سبيل تحقيق النجاح. فالنتيجة هي وصول غير الأكفاء إلى مواقعهم. وعند مناقشة أحدهم حول هذا المبدأ، تجد الإجابة واحدة، وهي أن المجتمع لم يهيأ بعد لاختيار الأكفأ، ولا وسيلة للنجاح في الانتخابات إلا بالتعامل مع الواقع، واللعب بالأوراق المتوفرة لا تغييرها. ليس هذا المقال للخوض في السياسة، ولكن الحديث فيه عن الانعكاسات لمثل هذه المبادئ البراجماتية على حياتنا العامة وأثرها في تقويض قيم ومثل عليا في المجتمع قبل قيم ومبادئ وأهداف الديمقراطية ذاتها. وهذا المبدأ يمثل واحدة من أبجديات العمل وبديهياته؛ لأنها تعبير عن فن الممكن والمتاح، ولكن من جانب المنفعة والمصلحة العامة نجد تعارضا مطلقا بسبب انعدام آليات اختيار الكفاءة والمؤهل لحساب الأوراق الأخرى. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الجانب الأخلاقي، حيث تصبح هذه الورقة محل مساومة وعرضة للتنازلات، لا تلبث أن تعم المجتمع على إثرها روح باردة تتحكم فيها رأس مالية المصلحة الذاتية، وتغيب فيه القيم والمثل الأخلاقية، الأمر الذي يشيع الأنانية والعزلة الروحية والجشع المادي، وفقدان الثقة بسيادة القيم والدين والأخلاق. السؤال الذي يبقى: هل سنظل أسرى لهذه البراجماتية في حياتنا العامة سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، في انتظار أن نتحول إلى قيم النزاهة والمهنية وترجيح الكفاءة والأهلية والمصلحة العليا، دون أدنى سعي إليها في كافة برامجنا التنموية والتربوية وخططنا قصيرة وبعيدة المدى؟