مثل كل سنة، وبوتيرة كل عام.. تغلق اليوم 15 ذي القعدة أبواب استقبال طلبات راغبي التوظيف المؤقت كسائقي حافلات نقل الحجاج، دون أن تجد الوظائف الأذن الصاغية من الشباب، على الرغم من أن معدل البطالة في المملكة ارتفعت إلى 10.5 % حسب ما أعلنته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حيث ارتفع عدد السعوديين العاطلين عن العمل من الجنسين إلى نحو 448 ألف فرد، 44.2 % منهم من الحاصلين على الشهادة الجامعية درجة البكالوريوس. ومع أن وزارة العمل أعلنت أخيرا أن معدل السعودة لا يتعدى 13.3 %، منها 12.8 % للذكور، 36 % للإناث، إلا أن سعودة قطاع نقل الحجاج لم يصل إلى المستوى المأمول، أو لعله لا يزال «محلك سر». لكن الأغرب أن شركات نقل الحجاج التي تتحصل كل سنة من وزارة العمل على 25 ألف تأشيرة موسمية، باتت لا تنتظر اليوم الأخير في التقديم، ربما بسبب إدراكها أن الشباب لم ولن يرضى بتلك الوظائف، لا لعيب في نوع الوظيفة، وإنما تأكيد لعدم الارتقاء بها للمستوى المطلوب، بما يسد الحاجة، خصوصا أن الكثير من الشباب الجاد في العمل، يدر دخلا في موسم الحج أكثر بعشرات المرات ما يعرض عليه من شركات النقل. ولكن لماذا لا ترتقي الوظائف منذ أعوام، وحتى الآن للمستوى المنشود من الشباب الجاد في العمل، وأليس هناك عدد كافٍ من الأبناء يستطيعون شغل تلك الوظائف، بما يوفر الاستقدام من الخارج، وما يغني الشركات من تأشيرات وزارة العمل؟ أين التحقيق وإذا كان العزوف العام الذي يبديه الشبان عن تلك الوظائف، بات «رتم» كل عام، فمتى يا ترى يمكن أن تلتفت الجهات المعنية إلى توظيف الشباب لتتعرف على الملابسات، وتقلل من هدر الأموال التي تصرف على تذاكر الذهاب والإياب والإعاشة والإقامة لسائقين وافدين، الأمر الذي كان بالإمكان إضافته إلى رواتب الشباب، ليرفع القيمة الموسمية، بدلا من راتب لا يزيد منذ أعوام على 2500 ريال. دعوة وحملة ظلت الوظائف الموسمية في الحج لأعوام تعاني تقاعس الشباب من الإقبال عليها، خصوصا العاطلين عن العمل، على الرغم من حرص شركات نقل الحجاج على سعودة هذه الوظائف كل عام، بتسهيل إجراءات التقديم للوظائف تارة، وتمديد استقبال الطلبات تارة أخرى، من 5 ذي القعدة إلى 15 من الشهر نفسه، إلا أن جميع هذه المحاولات لم تثمر في سد احتياج الشركات في سعودة وظائفها، وتأتي النقابة العامة للسيارات أحد هذه النماذج التي تسعى لسعودة وظائفها، ويبدو أن ظروف العمل لا تسمح بإقبال كبير عليها. والمعروف أن العمل في النقابة يعتمد على تعيين سائقين وفنيين سعوديين ومقيمين خلال موسم الحج لقيادة الحافلات الناقلة للحجاج في المشاعر المقدسة أو بين المدن قبل موسم الحج وبعده، وتبدأ الاستعدادات من بداية شهر رجب لاعتماد الميزانيات الخاصة بالإعلانات لتقديم طلبات الوظائف، ويبدو مثل كل عام أن الحملة الإعلانية للوظائف لم تأخذ حيزا كبيرا على الرغم من الوقت المبكر للإعلان، حيث اقتصرت الحملة في هذا العام على وسيلتين إعلاميتين فقط، إضافة إلى موقعها الإلكتروني، وشاشات خاصة بالطرق. الكثير من الشباب أوضحوا أنهم لم يعلموا شيئا عن هذه الوظائف «على الرغم من أنها تتكرر سنويا»، إلا عبر المقربين من هذه الوظائف أو بالمصادفة، والبعض الآخر أعلنها صراحة بأنهم لا يتحمسون كثيرا لتلك الوظائف، أما السبب فإما لضغط العمل كونه في موسم الحج، وقد يحتاج العمل إلى مثابرة وانضباط أكثر، أو عدم قناعة بالعائد المادي لانخفاضه عن توقعاتهم، على الرغم من أن الكثير منهم عاطلون. حريصون ولكن ويبدو أن العزوف على الرغم من التمديد أثار رئيس لجنة سعودة الوظائف الموسمية والأمين العام لهيئة النقابة العامة للسيارات مروان الزبيدي، حيث أشار إلى أن: «اللجنة تحرص كل عام على توفير 25 ألف وظيفة خلال موسم الحج وأن المتقدمين من الشباب السعودي لم يتجاوز 1500 سائق وفني سعودي، والمؤسسة لها قرابة عشرة أعوام في هذا الميدان، ومع ذلك لم يزد عدد المتقدمين على هذا العدد في كل عام، وهذا العدد ليس المطلوب، وعلى الرغم من الكم الهائل من الإعلانات في الصحف والقنوات الفضائية التي استهدفناها في الحملة، إلا أنه لم يفلح ذلك في زيادة العدد، مما يضطرنا إلى الاستفادة من خدمات بعض السائقين من الدول المجاور». وذكر الزبيدي أن رواتب العاملين في هذه الوظائف تبدأ من ثلاثة آلاف ريال: «هناك مكافآت وحوافز مالية محددة على كل عملية نقل من مدينة لأخرى، وقد يصل راتب الواحد منهم إلى أربعة آلاف ريال بعد هذه الزيادات، بعد انتهاء فترة استقبال طلبات التوظيف نقوم بتمديد فترة التعيين والاستقبال لعشرة أيام أخرى، إضافة إلى فتح المجال للتقديم عبر موقعنا على الإنترنت غير أنها لا تضيف شيئا يذكر». الظروف السبب وعد مروان طبيعة العمل وظروفه المكانية والزمانية ربما السبب الرئيس في عدم وجود الشباب السعودي في هذه الوظائف: «كثير من الشباب السعودي يفضل الدوام الرسمي الذي يعرف بدايته وانتهاؤه بدوام رسمي لا يتجاوز أكثر من ثماني ساعات، غير أن ظروف الأعمال الموسمية تجبر الموظفين على العمل بشكل متسارع وفي أي وقت، ما يجعل الشباب يعزفون عن هذه الوظائف حتى لو كانت رواتبها مغرية، وبعض الشباب ينظر إلى هذه الوظائف نظرة دونية كونهم سائقي حافلات، فيحاولون الهروب إلى وظائف أخرى تليق بهم من وجهة نظرهم». مضطرون إلى كسر السعودة وبين أن النقابة مضطرة إلى الاستعانة بالسائقين الوافدين من الأجانب، لتغطية عجز الكوادر السعودية: «النقابة تطلب تأشيرات من خارج المملكة لتغطية العجز، من بعض البلدان العربية المجاورة، وبعض الشركات استعانت بالعمالة الإندونيسية وغيرهم، ونعمل على اختيار السائقين بعناية أصحاب الخبرات السابقة في قيادة الحافلات». لا شروط ولم يضع الزبيدي شروطا تعجيزية لمن يريد الالتحاق بهذه الوظائف: «لا نطلب سوى رخصة قيادة «ثقيلة» لقيادة حافلة مع وجود رخصة القيادة العادية، وبطاقة أحوال، وخطاب تعريف، إضافة إلى تجاوز الفحص الطبي، فما الذي يعيق الشباب خصوصا العاطلين من الالتحاق بعمل فيه الكثير من العمل الإنساني والأجر، وفيه فائدة مادية أيضا؟». انتهت الوظائف أحد الشباب المتقدمين للعمل مؤمن عيسى آدم لم يجد حيلة للتقديم إلى الوظيفة إلا من خلال زيارة موقع اللجنة والتقديم بالطريقة الاعتيادية، حيث حاول قبل المجيء إلى مقر التسجيل عن طريق الموقع الإلكتروني ففوجئ بالرد بأنهم مكتفون من العدد. توجه بعد ثلاثة أسابيع بعد توصية من أحد الأصدقاء إلى مقر اللجنة، ليجد أن المتقدمين من السعوديين لم يتجاوزوا 1500 شخص، في حين أن الوظائف المتوفرة تصل إلى 25 ألف وظيفة: «هذه المرة الأولى التي أعمل فيها خلال موسم الحج من باب التجربة، فلو وجدت العمل مناسبا لي سأكرر التجربة في الأعوام المقبلة». تجربة ناجحة تخرج محمد سعيد المعبدي، 24 عاما، قبل عامين من المعهد المهني، تخصص سمكرة وبوية، ولم يتحصل على وظيفة حتى الآن، مما اضطره إلى تقديم أوراقه إلى النقابة العامة للسيارات خلال موسم الحج للحصول على وظيفة واستلام راتب شهري: «أغلب الأعمال التي شغلتها كانت عبارة عن وظائف موسمية، ففي حج العام الماضي عملت خلال الموسم وتحصلت فيه على راتب، وفي هذا العام قدمت أوراقي على أمل أن أقبل في العمل». ويتأسف المعبدي من أن الوظيفة لا تستمر لأكثر من شهر واحد، ما سيجعله يعود للبطالة مجددا بعد انتهاء الموسم: « رواتب هذه الوظائف غير مجزية بالنسبة إلي وأطمع في الزيادة، غير أن الحاجة تجعلني أرضى بالأمر الواقع، كما أن سهولة الوظيفة تعد أمرا مغريا، إذ لم أجد أي عوائق تعيقني عن التوظيف في النقابة، وأنتظر بفارغ الصبر موعد البدء في الوظيفة لأشعر بالفعل أنني قادر على العطاء والبذل، إضافة إلى خدمة حجاج بيت الله الحرام». الوظيفة مناسبة دعا مشاري الحربي، 22 عاما، الشباب العاطلين عن العمل التوجه إلى هذه الوظائف الموسمية خصوصا فترة الحج أو رمضان: «من الأفضل لهم أن يتوجهوا إلى هذه الوظائف وإشغال أوقاتهم بالنافع، إضافة إلى أنها تعود عليهم بالمال الذي يجعل الشخص لا يعتمد في مصدر رزقه على أهله، وغير المقبلين على هذه الوظائف سيضيعون أوقاتهم بل قد يصل بهم الحال إلى الفساد المجتمعي الذي يضره كشخص والمجتمع من جانب آخر، وما أعرفه أن شروط العمل في المواسم غالبا لا تحمل طابع التشديد، إنما عبارة عن شروط عادية يستطيع الحصول عليها أي شاب سعودي، ومن خلال تجربتي في الوظائف الموسمية أستطيع أن أكتسب خبرة في العمل تمكنني مستقبلا من التقديم في الوظائف التي تتطلب خبرات عملية من قِبل بعض الشركات، وهذا أكثر ما يشجعني». لكن مشاري يرى أن بعض هذه الأعمال لا تقدر الشاب السعودي ولا تعطيه راتبه في الوقت المحدد، موضحا أنه عمل في موسم الحج العام الماضي في إحدى هذه الوظائف ولم يتسلم راتبه في الموعد المحدد حسب عقد العمل، وهذا ما يجعل أغلب الشباب يرفضون الإقبال على هذه الوظائف الموسمية: «بعض الشباب الذين أثبتوا جدارتهم في العمل لم يحصلوا على زيادات أو محفزات مادية تجعلهم يقدمون العمل بشكل أفضل، مما جعل البعض يتراخون في الأداء». ترحيب محدود ويؤمن الشاب سالم حسن المالكي، 30 عاما، بأهمية الأعمال الموسمية، والتي يجد فيها راحة شديدة من هذه الوظائف التي تعد من وجهة نظره خدمة إنسانية للحجاج في الدرجة الأولى، إضافة إلى أنه يجد راحته في هذه الأعمال التي تتكرر مرة واحدة كل عام: «طبيعة عملي الاعتيادي في العام تسهل علي العمل في الوظائف الموسمية، خصوصا تلك التي تختص بقيادة الحافلات، حيث أتوجه لشركات الحج التي تحتاج إلى سائقي حافلات سعوديين بالتنسيق مع النقابة العامة للسيارات، ونظام عملي يكون على شكل رحلات إيصال الحجاج بين مكة والمدينة، وبعد انتهاء كل رحلة أرتاح 48 ساعة وأقوم برحلة أخرى وهكذا». وأوضح المالكي أن هذا العام تأخرت التحاليل الخاصة بالمتقدمين للعمل، إلا أن الإجراءات الأخرى المطلوبة كانت في غاية السهولة، مشيرا إلى أن العمل في النقابة مضمون كون المتقدم للعمل سعوديا، كما أن الرواتب لا تتأخر حسب العقد المبرم بيني وبينهم، فبمجرد انتهاء الموسم ينزل راتبي سريعا.