استقبلت الأسواق في 22 دولة أخيرا الأوراق الخاصة بالزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا التي تحولت إلى كتاب بعنوان «حديث مع النفس» يتضمن صورا وذكريات وقصصا ومواقف كثيرة ترسم معالم شخصية الرئيس السابق والسجين والزعيم السياسي الأبرز في تاريخ القارة السمراء، وربما العالم بأسره. وتحكي الأوراق قصة 80 عاما من مسيرة مانديلا «92 عاما» ابتداء من طفولته وشبابه ومقارعته لنظام التمييز العنصري في بلاده، ثم أعوام سجنه الطويلة في جزيرة روبن، وزواجه، وأخيرا أعوام الحرية وما تلاها. تعد حياة مانديلا ملحمة من ملاحم القرن ال20، ومن أعظمها إلهاما. لقد كان مانديلا، قبل 20 عاما، شخصا منسيا في سجن بجزيرة روبن، التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالطائرة، طوال 27 عاما، وذلك لمعارضته نظام التمييز العنصري في البلاد. وبعد أن غادر موقع الرئاسة في جنوب إفريقيا، أصبح محط الإعجاب والتقدير بصفته واحدا من أعظم قادة الأرض. وعقب إطلاق سراحه عام 1990، قاد مانديلا المفاوضات مع النظام الحاكم حينها. وبعد نهاية حكم الأقلية البيضاء، اختير مانديلا أول رئيس أسود للبلاد عام 1994، لكنه استقال من منصبه عام 1999 بعد دورة رئاسية واحدة. بعدما حاز جائزة نوبل للسلام. وتكشف بعض الرسائل، التي كتبها مانديلا في السجن ونشرت صحيفة «الصنداي تايمز البريطانية بعضها، المعاناة التي كان يحس بها مانديلا خلال أعوام سجنه بين عامي 1962 و 1990. وعبرت ابنة مانديلا عن سعادتها لصدور الكتاب وأوضحت «إنه هدية جميلة للغاية لي ولكل من يقرؤه. ووقعت يدي على رسالة كان كتبها لي خلال فترة اعتقاله تركت أثرا كبيرا في نفسي». وكتب مانديلا في أحد الخطابات عام 1970 «أشعر أنني غارق في المرارة»، وذلك لشعوره بعدم القدرة على مساعدة أطفاله وزوجته السابقة ويني في الظروف الصعبة التي مروا بها أثناء فترة السجن. وكشف عن مدى الحزن الذي عاناه بسبب وفاة ابنه في حادث سيارة عام 1969 عندما كان عمره 24 عاما. ولم يسمح لمانديلا حينها بحضور الجنازة. وتحولت جزيرة روبن التي سجن فيها مانديلا إلى مركز للتعليم، وصار هو الرمز في سائر صفوف التربية السياسية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها. ولم يغير مانديلا مواقفه وهو داخل السجن، بل ثبت عليها كلها، وكان مصدرا لتقوية عزائم سواه من المسجونين وتشديد هممهم. وفي السبعينات رفض عرضا بالإفراج عنه إذا قبل أن يعود إلى قبيلته في رنسكاي، وأن يخلد إلى الهدوء والسكينة. كما رفض عرضا آخر بالإفراج عنه في الثمانينات مقابل إعلانه رفض العنف. وتناولت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية الكتاب بشيء من الاهتمام وأفردت له تحقيقا مصورا على صفحتين، جاء فيه أن أوراق مانديلا «تكشف لنا حجم الألم والغم الذي أصاب الزعيم الإفريقي نتيجة الخيار الذي اتخذه لنفسه. عندما سلم مانديلا أوراقه الخاصة التي جمعها طوال حياته، حذرهم من أن عليهم أن يتوقعوا وجود مستودع يحتوي على كنز مليء بالمفاجآت والمسارات المتقاطعة، والنهايات المسدودة، والذكريات المؤلمة، والأسئلة التي تبحث عن إجابة». وأضافت «تبدى للناشطين في مؤسسة نيلسون مانديلا، وبعد نحو خمسة أعوام من بدء مهمة غربلة آلاف الصفحات من اليوميات والرسائل ودفاتر وسجلات السجن والمفكرات الشخصية، أن الوثائق التي بين أيديهم تقدم فهما عاطفيا وصريحا لمحصلة مسيرة الصراع الطويلة التي خاضها مانديلا».