خلافا لما يحدث في أوروبا، ما يزال اليسار في أمريكا اللاتينية يفوز في الانتخابات- حتى لو كان ذلك يحدث بصعوبة. وبعد 12 عاما قضاها في السلطة، تابع الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز حزبه ليفوز رغم الانخفاض الملحوظ في شعبيته. في البرازيل شق حزب العمال طريقه إلى فترة رئاسة ثالثة على الترتيب، رغم أن مرشحته ديلما روسيف ستخوض جولة حاسمة ضد خوسيه سيرا من يمين الوسط. ونجا رئيس الإكوادور رافائيل كوريا من محاولة انقلاب. ويواجه كل هؤلاء تحديات مماثلة: ضغوطا شديدة من القلة الإقليمية، واضطرابات مدنية من قواعدهم المحلية. ولفهم هذا، لا بد أن ننظر في كيفية وصول اليسار إلى السلطة في المقام الأول. في الثمانينات خرجت أمريكا اللاتينية من أيام الديكتاتورية العسكرية المظلمة على أمل أن تجلب الديموقراطية شيئا من العدالة الاجتماعية. ولكن لم يحدث هذا الشيء. ورضخت المنطقة قسرا لقبول مذاهب التجارة الحرة بالتوافق مع واشنطن. وبدأت الحكومات الضعيفة سيئة الإعداد في بيع الموارد العامة بأسعار المساومة قبل أن تنغمس في الرأسمالية العالمية. واستفادت النخبة، في حين أن الغالبية لم يكسبوا شيئا. وبعد أن تم التخلي تدريجيا عن أدوار إعادة التوزيع والرعاية الاجتماعية للحكومة، بدأت صورة الدولة القومية القديمة في التلاشي. ووجدت قطاعات المجتمع الفقيرة نفسها معزولة عن الهوية الوطنية من الدولة. وكانت هناك أزمة عميقة من التمثيل السياسي: بدأ الناخبون ينفرون من الأحزاب التقليدية في الوقت الذي بدأ فيه السياسيون الذين حلوا محل العسكرية يستنفدون مصداقيتهم بسرعة. في العقدين الأخيرين أدت التعبئة الجماعية، خاصة وسط الشعوب الأصلية، إلى إسقاط أربعة رؤساء في الأرجنتين، وثلاثة في الإكوادور، وواحد في كل من فنزويلا وكولومبيا والبرازيل وبيرو. وتمكنت الحركات الاجتماعية من التصدي للهيمنة الأمريكية، وبناء إحساس جديد للهوية تكسوه المطالب العرقية والإقليمية وتوحيد المستبعدين والمهمشين. وقبل الانتصارات التي حققها يسار الوسط في الانتخابات، فقد تم بالفعل تحقيق نصر ثقافي. وأخيرا، لم تنجم عن التحول الاجتماعي الجاري الآن في أمريكا اللاتينية أي نتائج نهائية. ولم تجد الخلافات حول دور الدولة واتجاه التكامل الإقليمي وسياسة التنمية حلا. وبدأت رياح التغيير تهب قوية- ومن المرجح أن تظل كذلك لعدة سنوات مقبلة.