بذلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جهدا ملحوظا خلال جلسات الأممالمتحدة الأخيرة في نيويورك وأقامت حفلات عشاء تتسم بالبذخ وصافحت مئات الأيادي ووجهت نداءات علنية وطافت على الناخبين الذين يمثلون الدول ال 192 الأعضاء بالمنظمة الدولية ابتغاء فوز بلادها بأغلبية الثلثين للحصول على مقعد من مقاعد العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي. وتتنافس ألمانيا مع كل من كندا والبرتغال على مقعد من المقعدين المتاحين للكتلة الغربية من مجموع المقاعد العشرة غير الدائمة في المجلس التي ستستبدل نهاية العام الجاري. تأتي محاولة هذا العام في وقت طوت فيه ألمانيا 20 عاما من عمر الوحدة بين شطريها الشرقي والغربي منذ سقوط جدار برلين الشهير مبدية ثقة قوية بمكانتها التي تستحقها بين القوى الكبرى في العالم. ولم تخف ألمانيا سرا كذلك بشأن طموحها الذي يساورها منذ زمن طويل في الحصول على مقعد دائم بالمجلس، متعللة بأن الأممالمتحدة لم تعد خلال الأعوام العشرة الأخيرة تعكس النظام العالمي السائد اليوم. وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، حدد وزير الخارجية جيدو فيسترفيله محاولة بلاده على النحو التالي: «ألمانيا هي ثالث أكبر مساهم في مساعدات التنمية وهي شريك يعتمد عليه في البؤر الملتهبة بالعالم ودولة رائدة في التصدي لظاهرة التغير المناخي وأيضا صاحبة أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية». هذا التصور عن الذات بات يسيطر بشكل متزايد على عقول جيل ما بعد الحرب. وهو الجيل الذي نجح في تجربة الوحدة وتحمل الإصلاحات الاجتماعية المؤلمة. وأكدت المستشارة أنها كسبت المزيد من الدعم الدولي لبلادها للحصول على المقعد في المجلس الذي يعتبر أعلى سلطة تنفيذية في المنظمة الدولية. وأوضحت في كلمة لها أمام اجتماع خاص في ألفية الأهداف التنموية بنيويورك أن حصول بلادها على هذا المقعد سيعزز دورها ضمن قوات حفظ السلام الدولية، ويوفر فرصة لتحقيق الإصلاحات التي تنشدها لتمكين بلادها من الحصول على عضوية دائمة. لكن الشىء الذي لم تقله المستشارة هو أن ألمانيا لا تزال تبحث عن هوية بعد كل هذه الفترة من إعادة توحيدها. والمعروف أن هذا المجلس يتألف من 15 عضوا، خمسة منهم يتمتعون بالعضوية الدائمة وهم: أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، وعشرة غير دائمين يراعى في انتخابهم مساهمتهم في حفظ السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى التوزيع الجغرافي بحيث تتمثل في مجلس الأمن مناطق العالم الكبرى بنسب متعادلة. وأعضاء المجلس غير الدائمين حاليا خمس دول من آسيا وإفريقيا هي بنجلاديش، سنغافورة، مالي، تونس، وموريشيوس، ومقعد واحد لدول شرق أوروبا وهي أوكرانيا، ودولتان من أمريكا اللاتينية هما كولومبيا، وجامايكا، ودولتان من أوروبا الغربية والدول الأخرى وهما أيرلندا والنرويج. ويجمع كثيرون على أن الحصول على تمثيل دائم في مجلس الأمن الدولي هو هدف بعيد المنال بالنسبة لألمانيا، فلن يتأتى إلا بعد القيام بعملية إعادة تنظيم شاملة للأمم المتحدة. وفي هذا الصدد تقول ألموت موللر بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية: «في الوقت الراهن ينبغي علينا العمل على تمثيل مصالحنا عبر قنوات أخرى، ولكي يتم ذلك ينبغي علينا البدء في تحديد مصالحنا» .