توفيت بسبب تأثرها بإشعاعات الراديوم، ذلك الإشعاع الذي نالت عنه جائزتي نوبل! إنها عالمة الكيمياء البولندية «ماري كوري»، أول امرأة في فرنسا تكمل شهادة الدكتوراه، وأول شخص يحصل على جائزة نوبل مرتين، وأول امرأة تحاضر وتعين أستاذا في جامعة السوربون! هذه المرأة العبقرية التي كادت أن تفصل من الجامعة بسبب شح المادة، حصلت على شهادتي البكالوريوس في الرياضيات والعلوم في عام واحد! لذا أنصحكم بعدم قراءة سيرتها أبدا، لأنكم ستصابون بإحباط شديد جدا نتيجة انكشاف سوءة البون الشاسع بين همتها وهمة السواد الأعظم من أمتنا العربية المجيدة! لم تكرس حياتها لسب الاحتلال الروسي الذي منعها من أن تدرس في بلدها بولندا، ولم تكتب مجلدات عن معاناتها المريرة في خروجها إلى فرنسا، لم تتحدث عن تضحياتها لأجل أسرتها أو تجرعها مرارة اليتم في طفولتها، بينما نجد أن شخصا ما لمجرد كونه كاتبا أو صحفيا أو أستاذا في جامعة فهو يفرد صفحات طوال يسهب فيها بالحديث عن عنترياته، فتارة يتحدث عن إنجازاته الخرافية، وحينا عن إرادته الفولاذية، فيجعل من نفسه فيلسوف زمانه ونادر عصره! أما بالنسبة إلى عامة الشعب فإن ألسنتهم سباقة لالتهام كل الحروف عن أي شيء، عند أي شيء، في أي شيء ولأجل أي شيء والنتيجة لا شيء! مشكلتنا أننا نتحدث لأجل أن نتحدث، وغيرنا يصمت لأجل أن يفعل، نسهب في سرد التفاصيل دون كلل وبكل بساطة وأحيانا بسذاجة شديدة تجعل منا كائنات لجوجة بلا أدنى فائدة. نجيش الأبواق لسب هؤلاء وأكل لحوم أولئك، نتلف أوراقنا وأصواتنا في الشتائم بدل استخدامها في ما يأخذ المجتمع إلى الأمام. نثرثر كثيرا ونفعل القليل، وأعتقد أن شيئا من الصمت وقليلا من الحكمة وبعض الإرادة كفيلة بنقلنا إلى حال أفضل.