شر البلية ما يضحك. لكنني لم أستطع مغالبة الضحك وأنا أطالع طوال الأيام الماضية عن رصد أجهزة وزارة الصحة التنفيذية «دخول رجال دين! -هكذا جاء في الخبر- إلى غرف مرضى يعانون من أمراض أورام، دون أن يرتبطوا معهم بصلة قرابة، ويباشرون معهم مسائل التوبة والاستغفار مع التركيز على دنو الأجل». هنا تبدأ الحبكة، لكن عقدة القصة هي أن هذه التصرفات أدت إلى «إحداث صدمات نفسية أعاقت سير البرنامج العلاجي لهؤلاء المرضى». أما الخاتمة التي لم تخل من «أكشن» فهي ما نقلته عكاظ عن ناطق الوزارة الرسمي حول أن الصحة أصدرت «تعليمات بتعزيز الحراسات على أقسام العناية المركزة وبقية مرافق التنويم، فضلا عن حصر توعية المرضى في منسوبي الأجهزة التوعوية في كل مستشفى». قرأت أيضا لكاتب طبيب يعترض في السياق نفسه على توفير وزارة الصحة قناة تليفزيونية واحدة لا تنقل سوى الفتاوى والمواعظ، وينتقد استراحاتها التي تمتلئ بمطويات دينية! حسنا إذن. لدى وزارة الصحة والأطباء عذر جاهز إذا ما مات أحدهم بسبب تشخيص خاطئ أو خطأ جراحي أو إهمال متعمد، أو إذا ما تأخرت المواعيد أو سرق المواليد: «المحتسبون» هم السبب ولا شك. ولست أدري أي خطر داهم يمثله هؤلاء المحتسبون لتخصص الوزارة فرق حراسات كاملة لمنعهم من الدخول على المرضى، وهي التي عانت غرف المواليد فيها من سرقات تكررت كثيرا. والحق أن لدينا تطرفا من نوع آخر. إذ ما الضير في أن يذكر المرضى بالتوبة وهم في أقرب حالاتهم إلى الله؟ ما الضير في أن يُذكَّروا بالموت، الحقيقة المجردة الوحيدة في هذه الحياة؟ إذا كان حتى المشركون يدعون الله مخلصين حين يقتربون من الغرق والموت، فهل ينبغي أن نغفل نحن التذكير بالموت حتى نكون «مودرن» ومتحضرين ومواكبين للحضارة؟ ثم ماذا يريد هذا الطبيب؟ أن نستبدل هذه القناة التي لم تعجبه بقناة «ميلودي» مثلا؟ أن نحول غرف المستشفيات إلى مراقص حتى تتحسن نفسيات المرضى؟