في غمرة حديثه فاجأني بسؤال: كيف هي الطائف؟ عرفت بعدها أنه ضيف من ضيوف «سوق عكاظ» وأنه سيأتي من باريس لحضور أيامها الثقافية، وهو متحمس كغيره لزيارة المكان، والتعرف على مدينة الورد والعنب والرمان. كان واجبا علي هنا أن أستعمل الجملة التخديرية «انظر للجزء المملوء من الكأس» و«أطير وأرفف في الفضاء»، وأبدأ بمغازلة الطائف أمام زائرها اللطيف! وأخبره عن جامع عبدالله بن عباس والهدا والشفا وقصر شبرا. وأحكي له عن المطر والضباب ولربما أكتفي بمقولة أهلها «مرحبا هيل عد السيل». حديثي لضيفنا كان صادقا لا يخالطه زيف، ولن أقترف الكذب لو سرقت النظر وفي خفية، وفركت يدا بيد على حال الطائف اليوم. ففي ظل كل خيرات بلادنا، وفي ظل التباشير التي تهطل علينا كل حين، لا تزال المرافق الهامة في حالة فوضى، ولا تزال الخدمات تحتبس عجزا ونحبس معها أنفاسنا، لا يزال جامع العباس يقبع كالمساكين، والردف تتدارى أمام الزائرين. لا تزال الطائف وجها خجولا يطل ويغيب، بينما الأصل في هكذا مناطق أنها واجهة ومصيف وهواؤها يُشترى بماء العين. نحن لا نبخس المسؤولين حقهم عندما نقول إنها مدن تحتاج أكثر وإنها تشتكي، وتطلب إسعافا عاجلا، بينما نقتلها عندما نتركها تذبل وتنطفئ وتغمر النفايات أشجارها. الطائف مشروع عظيم، مشروع ثقافة سياحية وتنموية وبشرية، والنهضة بها ستكلفنا حتما، ولكنها ستمنحنا خيرات لا بعدها ولا قبلها، فالمجتمع أصبح متطلبا أكثر مما هو متوفر، يريد مكانا سياحيا يضاهي ما يراه هناك، وهو في المقابل مستعد للبقاء هنا والاستمتاع والتشجيع. آن أن نهتم فعلا بأرضنا، ونأخذ الأمر على محمل الجد، يجب أن نتدارك الأخطاء وننهي مسألة البداية الصعبة التي وقفنا طويلا عندها، أن نهتم بالحمامات العامة التي تجعلنا نخفي وجوهنا خجلا، وأن نطور المواصلات ونبعث في مناطقنا الساكتة صوتا وروحا، حان اللحاق بالعالمين.