تظل لغة الحوار والتخاطب الشفهي سبيلا مهما للتواصل بين الأفراد، وإبداء الأفكار وتبادل الآراء، ونقل المشاعر والأحوال النفسية بأريحية.. و دوما.. يظل أدبنا العربي خير دليل على قوة الكلمة وعظمة تأثيرها على النفوس، لا بمعناها الفعلي فحسب، بل حتى بدلالاتها المعنوية والنفسية التي تدلنا على شخصية منتقيها وحالته، فقبل أن يكون الأدب عظيما بما يحويه من إبداعات لغوية وبلاغية، فهو ثري بما ينقله من روعة ذوق أصحابه وسرعة بديهتهم –خاصة في الحوار- وبديع نباهتهم، فهم الذين يضفون للأدب روحه بحسن انتقائهم لما يلفظون «معنى» لا جرسا. فحين نسمع قول ابن أحد الخلفاء حين أعطاه والده مجموعة مساويك، وسأله عما في يده فأجاب: «عكس محاسنك يا مولاي»..يتجلى لنا أدب الابن الجمّ في تحوير الإجابة حين توحي بمعنى غير محبب، على النقيض تماما مما يُسمعنا إياه الكثيرون اليوم.. فقلما تنهي حوارا مع أحدهم دون أن يقاطعك بلا استئذان، أو دون أن يبقى بالمكان ركن لم تجل به عيناه، هذا إذا لم ينشغل بقراءة صحيفة أو متابعة تلفاز، قاتلا حماسك للحديث، بلا مبالاة بما تقول. ومما قد يثير فيك الغضب، أن يُكمل عنك حديثا ظنّ أنه يعرفه، ولو تحدث هو بما «تحفظ» لأرهفت له سمعك واصطنعت المفاجأة تجاوبا معه.. ورحم الله عطاء بن أبي رباح حين قال: «إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يُولد». نحتاج كثيرا إلى أن نعزز من قيمة لغة الحوار في منازلنا، لأنها متى عُدمت، بات «الفعل» لا القول هو حبل التواصل بيننا، وذاب ما يجمعنا من لطيف أنس.. ولعل معظم ما يطرق أسماعنا من بُعد الأبناء عن آبائهم، وتفضيلهم أصدقاءهم عليهم، والتباين الشاسع بينهم في الاهتمامات، وارتفاع حالات الطلاق في المجتمع، نتيجة منطقية لانعدام التحاور والنقاش البناء بينهم.