«للأسف لم يتم اتخاذ هذا القرار بسهولة، ولكن تم إقراره بعد مضي عدة أشهر من البحث عن بدائل تجنبنا وقف عمليات التشغيل، وللأسف أصبح هذا هو الخيار الوحيد المتبقي أمامنا»، بهذه الكلمات المقتضبة أنهت شركة سما للطيران مسيرة 500 موظف كانوا يعملون بين جنباتها، ويحلقون بأسرهم معها، بين مختلف المدن داخل السعودية، وبعض المدن في الخارج، على مدى ثلاثة أعوام، وتحديدا عام 2007م وهو تاريخ بدء الرحلات التجارية فيما بدأ بعض الموظفين منذ انطلاقة الشركة وتأسيسها قبل خمسة أعوام 2005. ولم يكن قرار إيقاف رحلات شركة سما، مفاجئا، أو مركبا لفئة الركاب أو من حجزوا على متن رحلاتها، في ظل إعلانها في واجهة موقعها الإلكتروني، أن التوقف مؤقت، وأن العملاء سيتم تعويضهم إما برد قيمة تذاكرهم أو بإركابهم على رحلات لخطوط أخرى، لكن الذي شكل مفاجأة وصدمة على نطاق واسع، هو أن الإيقاف صاحبه قرار سريع بتسريح 95 % من الموظفين، الأمر الذي يفتح جرح السؤال، إلى أين يذهب هؤلاء؟ الرئيس التنفيذي لشركة سما بروس آشبي، سارع في تصريحاته بتبرير الإيقاف بتأكيد أنه: «كنا ننتظر الحصول على حزمة من المساعدات الحكومية تتمثل في دعم أسعار وقود لطائرات «سما»، وتقديم الدعم اللازم لتشغيل مدن الخدمة الإلزامية وكذلك الرفع التدريجي لسقف أسعار تذاكر الرحلات الداخلية، بالإضافة إلى التمويل الضروري لإطفاء الخسائر المتراكمة، وللأسف الشديد لم يتحقق أي من هذه الحلول». الضرر عام وكشف آشبي، أن حجم الضرر لا يطول «سما» وحدها: «أزمة الشركة لا تقتصر عليها فحسب، بل تطول جميع شركات الطيران الأخرى في المنطقة، التي تعرضت لضغوط وعوامل سوقية أدت إلى تدني مستوى أسعار تذاكر الطيران، بالإضافة إلى انخفاض في مستوى حركة الركاب الجوية خلال الفترة من أكتوبر 2009 إلى مارس 2010» لكن مصادر بسما، كشفت أن الشركة أوقفت جميع عملياتها منذ الثلاثاء 24 أغسطس الجاري، بعد أن فشلت في الحصول على تمويل من مستثمرين أو من الجهات المختصة حتى تتمكن من استيعاب خسائر متراكمة تقترب من 300 مليون دولار. فشل التمويل وأوضحت رسالة آشبي إلى العاملين في الشركة أن: «المحادثات مع مختلف الوكالات الحكومية بشأن وضع «سما» منذ الأسبوع الماضي مستمرة من أجل الحصول على تمويل إضافي، ولم يتم حتى الآن تقديم التزام قوي، لذا فمن الناحية العملية، فإن هذا يعني أن الشركة لن تتمكن من استئناف العمليات بسرعة، ولن تصبح قادرة على إعادة تشغيل العمليات على وجه السرعة وبناء على هذا فإن الشركة ستضطر إلى خفض مستوى العمالة، وأن معظم الموظفين سيتم إعفاؤهم من العمل بدءا من 28 أغسطس 2010، بينما سيطلب من بعض الموظفين البقاء لفترة أطول من أجل المساعدة في إغلاق العمليات وتنظيم الأمور الإدارية ومواصلة تحويل زبائن الشركة إلى شركات طيران أخرى». وصارح آشي جميع الموظفين من أنه: « ما لم يتم إعلام الموظف خطيا من قِبل الرئيس التنفيذي أو رئيس العمليات بطلب مواصلة الخدمة لفترة أطول، فسيعد اليوم آخر أيام عملك في الشركة». 500 موظف لم تتردد المصادر في شركة سما، في تأكيد أن 95 % من الموظفين في الشركة، والبالغ عددهم أكثر من 500 موظف، سيجدون أنفسهم في قائمة المسرحين، مما يعني أن الشركة ستبقي على 25 موظفا فقط، بينما يرحل 475 موظفا إلى مصير غير معلوم. ويبدو أن سرعة إصدار قرار التسريح، وضبابية الحقوق، منعت الكثير من منسوبي الشركة من التعليق على الأمر بأسمائهم صراحة، خوفا من ضياع حقوقهم، وتحوطا من استمرارية متوقعة، ربما تقف التصريحات والاعتراضات، وصرخات الاعتراض والألم، حائلا دون عودتهم للعمل لاحقا. عيدية أولادي بطالة وحفاظا على أحقيتهم في حجب أسمائهم، احتفظت «شمس» بها، حيث عد من رمز لنفسه بالرمز ع ع القرار صفعة لمستقبله وأسرته، خصوصا أنه علم بالخبر خلال مباشرته العمل: «أنا أب أسرة، والآن أرى مستقبل أولادي مظلما، ولا أعرف أين حقوقي ولا إلى أين أذهب، ولا أين أعمل، في ظل البطالة المعروفة في أواسط الشباب والمرتفعة بعدد يتعدى 400 ألف عاطل، أغلبهم من حملة الشهادات العليا، والآن أتساءل كيف أوفر متطلبات أولادي لعيد الفطر؟»، معبرا عن أمله في الانتهاء من مسألة الحقوق في أقرب فرصة ممكنة. واستقبل الموظف الذي رمز لنفسه بالرمز س س، خبر تسريحه في منزله: «كنت وسط أفراد عائلتي، عندما استقبلت الخبر، وأصارحك القول إنني لم استطع الوقوف على أقدامي، بعدما تعرضت لما يشبه الصدمة العصبية، وسقطت على الأرض، فهل يكون ذلك مصيرنا بعد أعوام عمل، وانتظام، الشيء الوحيد الذي خرجنا به تلك الخبرة، والتي ربما تمكننا من العمل في شركة أخرى». لكن الموظف الذي رمز لنفسه بالرمز ف ف، كشف أنه توقع النهاية السريعة للشركة، وإن لم يكن يدري ماذا يفعل أو كيف يتصرف إذا حدث ذلك الأمر: «لاحظت تدني خدمات الشركة في الفترة الأخيرة، وكل شيء كان يكشف الانهيار الوشيك، منذ سنة تقريبا، وكنت أبحث عن وظيفة أخرى سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، لكنني للأسف لم أعثر على إحداها، الآن كل أملنا في مساعدتنا في عمل، بدلا من الانضمام للعاطلين، وإذا كانت الشركات الأخرى تريد أصحاب الخبرة، فها نحن نمتلكها بفضل من الله». ورطة الحجوزات إلى جانب الحجوزات، وقف العديد من أصحاب التذاكر في موقف لا يحسدون عليه في ظل إلغاء سفرياتهم، بينما يتعذر عليهم الحصول على حجوزات في خطوط طيران أخرى، في ظل موسم الأيام الأخيرة من رمضان والعيد. مجرد وعود عامر بركات المقيم بالرياض حجز لأسرته على طيران سما، في رحلة من مطار دمشق بالجمهورية السورية إلى مطار الملك خالد بالرياض، قبل أسبوع من إعلان الإيقاف، على أمل أن تشاركه أيام العيد، لكنه فوجئ بالإيقاف: «ذهبت لمقر شركة طيران سما، والتقيت أحد الموظفين، وشرحت لهم الأمر، وحاولت التعرف على الحل، وتعهد الموظف بتغير الحجز على شركة إما الخطوط السعودية، أو طيران ناس، أو استرجاع المبالغ التي دفعت في التذاكر، لكنني لم أر شيئا من تلك الوعود، حتى الآن، وعندما راجعت مرة أخرى، وعدني الموظف بالاتصال بي لاحقا، وطلب مني أرقام هواتف أفراد العائلة في سورية لكي ينسق لهم، ويتم الترتيب لرحلتهم إما على الخطوط السعودية أوعلى طيران ناس، لكنهم حتى الآن في الانتظار». الرد لاحقا وأعرب محمد ريس عن استيائه من توقف رحالات طيران سما دون علم مسبق، بعدما حجز لأمه من الرياض إلى سورية للسفر يوم 2/8/2010 ، الساعة 12 ليلا، حيث قام الموظف بتأكيد الحجز، ولم يخبره بتوقف طيران سما عن الرحلات: «في يوم 22/8/2010 ، علمت بتوقف الرحلات عن طريق وسائل الإعلام، وعندما راجعت شركة سما بالمقر الرئيسي بالرياض، أبلغني بطلب مراجعتهم يوم السبت 29 أغسطس، لأخذ الرد إما بتغير الرحلة لإحدى شركات الطيران الخطوط السعودية أو طيران ناس، وإما يتم رد المبلغ المدفوع مسبقا، أصبت بالإحباط، ووفقت بحمد الله في تأكيد رحلة على الخطوط السعودية، وأتمنى الآن استرداد المبلغ المالي من طيران سما». رسالة مفاجئة وفوجئ هاني إبراهيم بإلغاء رحلة عائلته المؤكدة من القاهرة إلى الرياض ظهر، أول أمس، السبت: «حجزت على طيران سما منذ أسبوعين، ولم يخبرونا بتوقف الرحلات، وكلما راجعنا أحد المكاتب، أو الاتصال عليهم، يخبروننا بأن الحجز لا يزال مؤكدا، الأمر الذي اضطر أسرته إلى قطع مسافة تصل إلى ثلاث ساعات من المنزل في مصر إلى المطار، وفي الطريق وصلتهم رسالة بإلغاء الحجز، فراجعنا المقر الرئيسي للشركة، ولكننا وجدناه مغلقا، ولم نجد أي موظف سوى ورقة معلقة على الباب، تنص على «نأسف للإزعاج، والرجاء الاتصال على الرقم التالي» .