وجه الداعية المعروف الدكتور خالد المصلح نقدا حادا لكثير من البرامج التي تذاع في شهر رمضان، وقال: إن السباق بين القائمين على هذه البرامج لجذب المشاهد يدفعهم لتجاوز محاذير كثيرة، مشيرا إلى أن بعض من يظهرون في برامج الفتاوى يكونون غير مؤهلين لذلك، فيصيبون السائلين بحيرة من الممكن تجنبها لو اقتفوا أثر علماء الأمة الكبار. وأكد المصلح في حوار مع «شمس» أنه يتعامل مع الأسئلة التي تأتيه على الهواء بحذر شديد، نظرا إلى أن بعض الأسئلة تكون مفخخة وهدفها النيل من أشخاص وجهات، مطالبا من يتصدون للفتوى بأخذ اختلاف المذاهب والبيئات في اعتبارهم عند الرد على الأسئلة. وتحدث المصلح في عدد من الموضوعات الشائكة، كقضية الأخذ من اللحية والتقاعس عن دعم العلم في العالم الإسلامي، معتبرا أن الاهتمام بمثل هذا الجانب من شأنه أن يغير حال الأمة.. وفيما يلي نص الحوار: برامج الإقتاء تأخذ تقريبا كل ظهورك الإعلامي على حساب الظهور الإرشادي.. لماذا؟ ليس هناك قصد وراء التركيز في نوع من أنواع البرامج، إنما هكذا كتب الله لي، والمشاركة موجودة في كل الأنواع.. صحيح أنه قد يغلب نوع على نوع، لكن ليس هناك قصد وراء ذلك، والأمر حدث دون تعمد، ولكون الحاجة إليه أكثر من غيره.. وفي كل خير. بينك وبين الشيخ ابن عثيمين علاقة مصاهرة، فضلا عن علاقة الطالب بالأستاذ، فما هي أبرز ميزة كان ينفرد بها الشيخ ابن عثيمين عن بقية معاصريه؟ في نظري أن الشيخ كرس حياته لنفع الناس في جانب التعليم والإفتاء وقضاء حوائجهم العلمية، وأبرز صفة يمكن أن تقال هي اجتهاده في التعليم والإرشاد وتقريب العلوم الشرعية بشتى صنوفها. هل يتذكر الشيخ خالد المصلح ذكرياته في أول يوم صيام؟ أول صيام لي كان في مكة في يوم صائف شديد الحر.. وأكملته كاملا.. هذا الذي في ذهني الآن. كثير من الناس يرتاحون لفتاوى الشيخ خالد المصلح أكثر من غيره، هل السبب هو اختياراتك الفقهية الميسرة؟ لا أستطيع القول بذلك، أنا قد أناقش في أصل هذه المسألة، أنهم يرتاحون لفتاوى فلان دون فلان.. في اعتقادي أن المسألة نسبية، فكما أن هناك من يرتاح فهناك من ينزعج والمسألة دائرة على تحري طالب العلم بغض النظر عن موقف الناس من ارتياحهم أو عدمه، لأنه إذا كان هذا الذي سيحرك طالب العلم ويوجه اختياراته فسيصبح في ورطة وهذا خروج عما يجب أن يكون، فطالب العلم عليه أن يرضي الله. مع أن برامج الفتاوى المباشرة اليوم هي الأكثر تأثيرا في تكوين الوعي الفقهي للمشاهد، إلا أنها تعاني سلبيات.. هل تتفق مع هذا الرأي؟ في الحقيقة أبرز ما يتبادر إلى ذهني الآن أن بعض هذه البرامج تستضيف من ليس متأهلا.. وأقصد بمن ليس متأهلا إما لعدم أهليته العلمية أو لعدم معرفته الواقعية، وهذا إشكال ينشأ عنه خطأ في الرأي، إما الجهل بالنصوص وإما الجهل بواقع الحال الذي تنزل عليه النصوص. وفي تقديري أنه يجب أن يجتهد القائمون على هذه البرامج كي يكون ضيوفهم ممن يجمعون الحد الأدنى في الأمرين. أما ضيوف البرامج فعليهم أن يتقوا الله تعالى وألا يترددوا في أن يقولوا لا ندري فيما لا يدرون عنه. على الجانب الثاني، هناك في بعض الأحيان تعمية في الجواب على السؤال، فالسائل يريد جوابا مباشرا، فتجد أن الضيف قد لا يستحضر الجواب فيحوم ويحلق ويذهب بعيدا يمنة ويسرة بالمستفتي، فلا يخرج الأخير بنتيجة، وهذه إشكالية سمعتها من كثير من الناس، من شأنها أن تذهب قيمة هذه البرامج وتضعف مكانتها ونفعها. لذلك أقول: من الضروري لطالب العلم ولمن يكون ضيفا في مثل هذه البرامج أو أي نوع من أنواع الإفتاء حتى الشخصي والخاص أن يجيب إجابة مباشرة على السائل، فإذا كان لا يحسن أو لم يحضره جواب فينبغي أن يقول: راجعني فيما بعد، بدلا من أن يوقع السائل في حيرة. آخر ملاحظاتي أن هذه البرامج قد تفاجئك بسؤال لم يكن في بالك أو لا تتوقعه أو أنك بعيد عهد عن البحث فيه، وهنا يحسن التخلص ليس بالمراوغة إنما بالاعتذار عن الجواب. وكيف يتعامل الشيخ خالد المصلح مع الأسئلة المفخخة؟ أنا أتعامل بحذر.. التفخيخ في الأسئلة المقصود به أن يراد من السؤال غير ظاهره، وهذا يحدث كثيرا سواء في الأسئلة المباشرة أو في الأسئلة الشخصية ولذلك من الضروري لطلبة العلم أن يكونوا على حذر. وأنا أذكر أنني استفدت من شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله في مثل هذه الأسئلة، فالتعامل معها يختلف، لكن ينبغي الحذر من الوقوع في الفخ دون أن تشعر. بعض الأسئلة يقصد بها النيل من أشخاص أو التشويش أو إثارة الفتن أو التسويغ لبعض التصرفات، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان حذرا في الجواب عليها ببيان ما يجب بيانه دون الوقوع في فخ الاستدراج. وقد يكون من المناسب أن يوجه السائل إلى ترك السؤال عن مثل هذه الأمور وهذا رأيناه من مشايخنا وعلمائنا، حيث كانوا يوجهون السائل إلى ما يفيده. يأخذ عليك بعضهم تخفيفك على الناس كثيرا في موضوع الأخذ من اللحية، ما هي فتواك فيها بالضبط؟ ولماذا تكون الفتاوى المتعلقة بالمظهر من أكثر الفتاوى إثارة للجدل في المجتمع السعودي؟ هذه مسألة خلافية. أما أخذ بعضهم وعدم أخذه فهذا لا يقدم ولا يؤخر، فالمسألة خلافية ولما يعرض الخلاف ويذكر الراجح فينبغي النظر في مثل هذه المسائل إلى الأدلة وللإنسان أن يختار منها ما يشاء، ولا ينبغي في أي حال أن يكون الترجيح في مسألة خلافية وسيلة للطعن في الشخص أو الطعن في القائل، فهذا من الحيف والجور الذي يجب على أهل الإسلام أن يجتنبوه. نحن نعرف أن الصحابة اختلفوا في مسائل أخطر من هذه.. اختلفوا في صلاة العصر التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم «من فاتته العصر فكأنما وتر ماله وأهله» و «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» ومع هذا لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، اختلفوا في ذلك، فبعضهم رأى أنه قال ذلك لحثهم على المسير، ومنهم من صلى قبل غروب الشمس لما دخل الوقت، ومنهم من أخر بناء على الحديث الشريف. وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء وهؤلاء. أقصد أنه ينبغي أن يكون تعاملنا في مثل هذه المسائل الخلافية على مثل هذا النحو.. تتسع صدورنا وألا نجعل القضايا الخلافية في منزلة القضايا الأساسية التي أجمع عليها العلماء، لأن هذا يخلط الأمر ويلحقه بنوع من الاضطراب الذي يكون سببا للفساد والشر والفتنة بين الناس. الدعاة السعوديون هم الأكثر حضورا في برامج الإفتاء، ألا يصنع هذا عقدا ومشكلات عند شريحة واسعة من المستفتين من المجتمعات العربية الأخرى التي تختلف مدارسها الفقهية وعاداتها؟ لا شك أن من إشكاليات الفتوى المباشرة أو الفضائية، عدم مراعاة بعض المفتين لخصوصيات إقليمية أو مذهبية أو فكرية أو تقاليدية واجتماعية، ينبغي للمفتي أن يحسن التعامل وأن يطرح القضية طرحا يبين وجهات النظر، وفي مقام الترجيح لا ضير أن يقول: ويمكنك الرجوع إلى علماء بلدك أو أقرب عالم في جهتك لمعرفة ما يكون أقرب إلى الصواب. من خلال ظهورك الطويل في برامج الإفتاء ما أكثر أسئلة المشاهدين طرافة؟ لا يحضرني الآن سؤال محدد وهذه آفة النسيان وعدم التقييد والكتابة، بالتأكيد تمر طرائف وغرائب ومزعجات. كيف يقرأ الدكتور خالد بصفته أحد المطلعين على كواليس الشاشة المشهد الإعلامي في رمضان، خاصة فيما يتعلق بالفن والدراما والمسلسلات؟ فيها غث كثير، أنا ليس لدي اطلاع على هذا النمط من الإعلام، فاطلاعي محدود جدا وأنا لا أتابع ولا أشاهد مثل هذه الأمور لكني أعلمها وأطلع عليها من خلال بعض الدعايات في الصحف، وأيضا من خلال ما يأتي من الرسائل والاتصالات في نقد بعض البرامج. ويبدو لي أن رمضان موسم يعده الإعلاميون الذروة لبث برامجهم واستقطاب الجماهير للمشاهدة والمتابعة. وهذا السباق المحموم بين وسائل الإعلام جعلها تتفنن في جذب المشاهدين وتستكثر منهم في طريقة قد توقعهم في محاذير شرعية واجتماعية وأمنية، وقد تكون في بعض الأحيان محاذير سياسية ولذلك من الضروري أن تضبط هذه الحلبة من أهل الإعلام حتى لا يقعوا فيما لا تحمد عقباه. « طاش» ماذا تقول عنه؟ أنا أقول للجميع ولا أخص برنامجا دون برنامج «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون». وهذه للجميع ولا أخص بها جهة دون جهة لأن الإشكال لا يخص جهة واحدة ولكنه يمس جهات عديدة. ما هي الشخصيات الأكثر تأثيرا في حياة الدكتور خالد المصلح؟ شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله، وأنا هنا أتكلم عن الشخصيات العلمية، وشيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وشيخنا علي الزامل رحمه الله، هؤلاء أخذت عنهم وتلقيت وطالعت إنتاجهم واحتككت بهم فكان لهم التأثير أكثر من غيرهم بالإضافة إلى الشيخ الألباني رحمه الله. ما هي الفكرة أو المشروع الذي يشغل بالك ولم تستطع تحقيقه بعد؟ دعم المشاريع العلمية، وأقصد بها كل ما من شأنه إشاعة المعرفة بين أبناء الأمة. هذا المشروع أراه غائبا أو ضعيفا في حياة الأمة، مع أن قوام الأمة بالعلم، وكلنا نقول العلم نور لكننا لا نسعى بما نستطيع من طاقة وما نستطيع من جاه وما نستطيع من مال في إشاعة هذا النور بين الناس. هذا يمكن أن يتم من خلال دعم المراكز العلمية وكفالة طلبة العلم في شتى صنوف المعرفة، ولا سيما في العلوم الشرعية والعلوم التي تحتاج إليها الأمة، كالطب والهندسة وغيرها من مجالات العلوم التطبيقية التي نحتاج إليها حاجة ماسة، فضلا عن دعم البحوث والدراسات وكل وسيلة تؤدي إلى سد حاجة الأمة. هل هناك عادة شخصية بارزة جدا لا يتخلى عنها الدكتور خالد المصلح؟ لا أحب أن تكون لي عادة لا أفارقها. أنا أحاول أن أكون متكيفا مع كل ما يتيسر. دولة تتمنى زيارتها؟ ليس عندي أمنية سابقة، لكنني أتمنى أن أطوف بلاد الدنيا كلها لأشهد حال إخواننا المسلمين وأظهر محاسن الدين في كل مكان. هل كنت تتابع كرة القدم في شبابك؟ لم أكن متابعا لكني كنت كحال الشباب ألعب الكرة في المناسبات، وإذا أتيح المجال، وكنت أفضل أن أكون حارسا، أما التشجيع فلم أتحمس لفريق بعينه. كثير من الدعاة اقتحموا عالم الفيس بوك، هل سيكون للشيخ خالد في يوم من الأيام صفحة في الفيس بوك؟ إذا تيسر لي ذلك، فأنا لا أمانع أي طريق يمكن أن يوصل الخير إلى الناس، وقد عرض علي أحد الإخوان أن يتبنى صفحة في الفيس بوك يشرف عليها، فلم أمانع ولا أدري هل افتتحت أم لا. كلمة أخيرة؟ وصيتي للجميع استثمار هذه الأوقات الشريفة الفاضلة بما ينفع وبما يعود على الإنسان بالخير.. فرصة أن نتقرب فيها إلى الله ونزداد فيها خيرا، ورسولنا يقول «المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا» فيجب أن نحقق هذا المعنى، وأجمل ترجمة رأيتها لهذا المعنى ما نقله إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد رحمه الله، حيث قال: صحبته 20 عاما صيفا وشتاء لم ألقه لقاء إلا كان في يومه خيرا من أمسه، فليتنا نكون على هذا النحو ويكون يومنا خيرا من أمسنا .