كجميع العلماء الذين يفيضون فقها وورعا، سمق الشيخ العلامة محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبدالرحمن آل عثيمين، ورفعه الله مكانا عليا بين أهل العلم الذي أصاب منه قدرا وفيرا خدم به أمة الإسلام طوال حياته بكل صبر وصدق وجلد، ومن منطقة القصيم التي قدمت كثيرا من علماء أهل السنة والجماعة قدم الشيخ الراحل الذي نشأ في بيئة دينية اكسبته كثيرا من العلوم الشرعية وهيأته للنهوض بالفتوى والإصلاح بين الناس وحماية حوزة الدين من الفتن والضلال. حفظ الشيخ ابن عثيمين القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو لم يتجاوز ال14 من عمره، وكشف باكرا عن مواهب كبيرة في تلقي العلوم بما آتاه الله من رجاحة العقل والحكمة وفصاحة اللسان والبيان، وأظهر ذلك لدى جميع المشايخ الذين درس القرآن وأصول الفقه في مقامات درسهم، وأظهر نبوغا فطريا في اكتساب العلم، فكان أن جمع التفسير، والحديث، والسيرة النبوية، والتوحيد، والفقه، والأصول، والفرائض، والنحو، وحفظ مختصرات المتون في هذه العلوم. وانتقل من موقع الدرس دارسا نجيبا إلى التدريس حيث توافد إليه طلاب العلم من مختلف مناطق المملكة حين تولى إمامة الجامع الكبير في عنيزة، وإمامة العيدين فيها، والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع، ولما كثر طلابه، وأصبحت المكتبة لا تسعهم بدأ الشيخ الراحل التدريس في المسجد الجامع نفسه، وبقي على ذلك إماما وخطيبا ومدرسا حتى وفاته. وكانت للشيخ الراحل منجزاته الدعوية والفقهية التي يضيق المقام عن حصرها، طوال أكثر من نصف قرن من الدعوة بذل فيها جهدا كبيرا لنشر العلم والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، تعليما ووعظا وإرشادا وتوجيها، وكانت له عنايته بالتأليف وتحرير الفتاوى والأجوبة التي تميزت بالتأصيل العلمي الرصين، وصدرت له العشرات من الكتب والرسائل والمحاضرات والفتاوى والخطب واللقاءات والمقالات إلى جانب آلاف الساعات الصوتية التي سجلت محاضراته وخطبه ولقاءاته وبرامجه الإذاعية ودروسه العلمية في تفسير القرآن الكريم والشروحات توفي الشيخ الراحل في مدينة جدة يوم الأربعاء ال15 من شهر شوال عام 1421، وصلي عليه في المسجد الحرام، وشيعه الآلاف من المصلين ودفن في مكةالمكرمة، وبعد صلاة الجمعة من اليوم التالي صلي عليه صلاة الغائب في جميع مدن المملكة.