بجرة قلم أو لعلها بغفوة قدم، راحت الوظيفة على مئات من الشبان والفتيات، بعدما أرهقهم البحث عنها، أو لعلهم فقدوا الغالي والثمين معنويا، وماديا في حركة الذهاب والعودة للعثور على الوظيفة. وبلا مقدمات وبعد العثور على الابن الضال، بالنسبة إلى كثير من الأسر التي أعياها انتظار بارقة الأمل في توظيف ابنها أو ابنتها، تكتشف الأسر أن هذا الابن الممثل في الوظيفة لا يستحقونه، لأنهم تأخروا عن الوصول في الموعد المحدد، بينما الإعلان النهائي عن إقلاع رحلات التوظيف انتهى، ويصبح البكاء في ساحة المطارات المقلة للموظفين والموظفات إلى أعمالهم، مجرد بكاء على اللبن المسكوب! في ساعة ما وفي يوم ما فتحت الخدمة المدنية أبواب التوظيف لمن يريد، والوظائف عبارة عن فرص إدارية أو صحية، موزعة في كثير من المناطق، وكان من الطبيعي في ظل ارتفاع معدل البطالة للعام الماضي لتتعدى 10.5 %، ويزيد عدد العاطلين من الجنسين على 448 ألف عاطل وعاطلة، 44 % منهم من حملة البكالوريوس، وتم تقديم الملفات إلكترونيا، وتم التدقيق في التوافق ما بين الرغبات والعروض، لتصدر الخدمة المدنية قرارها في يوم ما وفي ساعة ما: «1475 مواطنا من المتقدمين للمفاضلة الإدارية والصحية تم استيعابهم، والمطلوب مراجعتهم للإدارات المعنية في وقت محدد». وحسب المتقدمين: «لم نسمع، ولم نر، وأحيانا يريدوننا ألا نتكلم». لكن حسب الخدمة المدنية: «أعلنا، وأذعنا، وطالبنا، وشددنا، وخاطبنا، ولكن يبدو أننا نريد أن يستمع لنا من في القبور». لكن على الطرف الآخر يرى المتقدمون أن صوت الخدمة المدنية غير مسموع: «لعلهم يتحدثون من وراء زجاج عازل للصوت، فالأيام أيام صيف، ووسائل الاستماع ليست على ما يرام، والبعض ذاب من الحرارة، فهرب إلى البقاع الباردة، والبعض لبى طلب أهله في السفر للعلاج في الإجازة الصيفية، ومن اقتدر ماديا بعد عناء الشهور، ذهب للخارج ليستريح أو أغلق جواله لكيلا يسمع الهم، فأين الخطط التي تجعل الاستماع لصوت التوظيف مقبولا، وطالما اختاروا التوقيت المناسب للإعلان عن التوظيف قبل الإجازة، فمن باب أولى اختيار التوقيت الأنسب بعيدا عن الإجازة للإعلان عمن ابتسم لهم الحظ في الظفر بالوظيفة المناسبة». في المقابل ترى الخدمة المدنية أن صوتها كان مسموعا، وتبث في بيانها الذي أذاعته خبريا الأسبوع الماضي أنها أعلنت عن دعوة 1475 متقدما، لمطابقة بياناتهم، لكنه لم يراجع منهم إلا 150 مواطنا، للتساؤل أين ذهب البقية». الغائبون المفقودون لكن الخدمة المدنية رفضت الاعتراف بوجود حالة طارئة تستدعي التدخل، حتى بالدفاع المدني، لإنقاذ الغائبين والبحث عن المفقودين، بل انشغلت بالتهديد والوعيد: «على الغائبين المفقودين الذين لم يستكملوا إجراءات مطابقتهم الإسراع في المراجعة، قبل نهاية الأربعاء الموافق 4 أغسطس 2010م، وعدم مراجعتهم يعد عدولا منهم عن الرغبة في التوظيف، وستقوم الوزارة بدعوة عدد آخر من المتقدمين بدلا عنهم». انتهى البيان، وعلى الحاضر تبيلغ الغائب، ولكن هل من المنطقي التعامل مع غياب يتعدى نسبة 90 % بهذا التهديد. وأليست النسبة كافية لدعوة الخدمة المدنية للوقوف، ولو لحظة لتتساءل ماذا حدث بهؤلاء، ولماذا غاب كل هذا العدد، أهو عزوف جماعي عن الوظائف، أم ظروف جماعية حالت دون الحضور؟ وإذا كان التوقيت في إعلان الوظائف معروفا، ومبرمجا، فلماذا لا يكون التوقيت في إعلان مستحقي التوظيف أيضا مبرمجا، ليعرف الجميع أن النتائج ستعلن في الساعة تلك واليوم ذلك؟ لكن في المقابل أليس من الضروري على الشباب الاهتمام بالأمر، والتفاعل مع الوظيفة بجدية أكثر، بدلا من التقديم والإهمال، وإثبات عدم الجدية في اليوم الأول والاختبار الأول؟ ولماذا يغيب الشباب عن المراجعة لإنهاء إجراءات توظيفهم، أليست فترة الأسبوعين المحددين كافية لإتمام ذلك، أم أن الغياب لعذر آخر؟ وإذا كان الغياب بداعي السفر، وعدم الوجود في الداخل، أفليس البدلاء غير القادرين حتى على التجول في محيط مدن المملكة أحق بالوظيفة من المقتدرين على التجوال خارجيا، والباحثين عن مظهر الوظيفة لا محتواها؟ مدة غير كافية عدد من المتقدمين والمتقدمات، عدوا المدة الزمنية التي تعلنها وزارة الخدمة المدنية لمراجعتها لإنهاء إجراءات تعيينهم، غير كافية، في ظل كثرة أعداد المتقدمين في تلك الفترة ما يؤدي إلى ضياع فرصة تعيين الكثير منهم وعدم حصولهم على الوظيفة. يتحسر محمد البخيت بنبرة حزن على ضياع الوظيفة الحلم: «أعلنت وزارة الخدمة المدنية المراجعة وكانت الفترة يومين، علما بأنها لا تكفي لأن العدد سبعة آلاف متقدم، ومدة المراجعة أسبوع واحد لمطابقة الأوراق من السبت للحاصلين على تقدير ممتاز، والأحد والاثنين للحاصلين على تقدير جيد جدا، والثلاثاء والأربعاء للحاصلين على تقدير جيد». تبرير موقف ويشدد طالب وظيفة عبدالرحمن الحميد على أن فترة أسبوع أو أسبوعين للمراجعة لا تكفي، والدليل أن الوزارة حرمت الكثير من المتقدمين وظائفهم: «عند المراجعة تلاحظ أعدادا غفيرة، وبذلك لا يتمكن بعض المتقدمين من الوصول إلى الموظف المسؤول لتقديم الأوراق، فينتهي الموعد، ولا يتمكن المتقدم من الحصول على الوظيفة وإذا راجعت بعد ذلك يقول لك المسؤول موعدك انتهى». ويرى طالب الوظيفة علي السعيد أن تمديد فترة المراجعة أمر ضروري حتى يتمكن المتقدم من إنهاء إجراءات التقديم: «لأن فترة التقديم التي تمنحها وزارة الخدمة المدنية حاليا للمتقدمين غير كافية، وهل بإعلانها هذه الفترة القليلة تريد التخلص من عدد كبير من المتقدمين، أم تريد تبرير موقفها بأنها أعلنت ولم يتقدم أحد للمراجعة». سفر بعيد واعترفت طالبة وظيفة البندري محمد بأن الوزارة تستخدم كل الوسائل لإيصال رسالة التذكير، إلا أنها لا تراعي قلة المدة الزمنية التي تحددها للمتقدمين: « ولا حل إلا بالتمديد لثلاثة أسابيع على أقل تقدير، حتى تتمكن المتقدمة من المراجعة في ظل زيادة أعداد المتقدمين في بعض الأوقات، وأعرف متقدمات سجلن في وزارة الخدمة عدة مرات، ومضى على ذلك عدة أعوام، ولم يتم تعيينهن، وربما السبب قصر مدة المراجعة. حرمان من الحلم وتساءلت طالبة الوظيفة آمنة عبدالله: «من يضمن لنا حقوقنا، فالوزارة تفرض علينا مدة زمنية قصيرة، حيث هناك عدد من المتقدمات حرمن من استكمال إجراءاتهن، وهن اليوم يعانين أشد المعاناة لعدم وجود وظائف يعملن فيها، وتقدمت في المركز الرئيسي في الرياض مرتين وتقديري جيد، ولم أتمكن من إنهاء إجراءاتي لوجود الأعداد الكبيرة من المتقدمات، فانتقلت للتقديم في منطقة أخرى وسكنت عند أحد أقاربي، وطالت المدة، وعندما ذهبت لزيارة أهلي، ومع انشغالي ببعض الأمور العائلية، أعلنت وزارة الخدمة فترة المراجعة، ولكنني لم أتمكن من المراجعة في الأسبوع نفسه فحرمت من الوظيفة». مراجعة آليات ويعتقد عضو لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي بمجلس الشورى الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم: « وزارة الخدمة المدنية بحاجة إلى مراجعة آليات عملها، سواء فيما يتعلق بمدد التقديم، أو فيما يتعلق بتأخر طرح الوظائف، وهذه أكثر إلحاحا». وأعاب طول الوقت الذي تأخذه الوزارة في طرح الوظائف: «الخدمة المدنية تأخذ وقتا طويلا جدا في طرح الوظائف، وعندما تطرحها تكون المراجعة في وقت قصير جدا، وربما هذا لا يمكن المتقدمين على الاطلاع على البوابة الإلكترونية، ونحن الآن نتحدث عن عشرات الآلاف من الباحثين عن وظيفة، وكل هؤلاء يقدمون على فرص وظيفية محدودة». إرباك للمتقدمين وذكر أن قصر المدة يربك المتقدمين: « في كثير من الأحيان هناك أعداد كبيرة لا يعلمون بالوظائف، ثم يكتشفون أن الوظائف طرحت في وقت محدود، لأن آلية إعلان وزارة الخدمة المدنية تتم عن طريق موقعها على الإنترنت، والكثير لا يتابعون الموقع وأحيانا تفوت عليهم هذه الفرصة». وأورد البراهيم تصريحا إلى مسؤول في وزارة العمل قبل عدة أيام، لتأكيد مصداقية ما ذهب إليه: «تناول المسؤول تأخر وزارة الخدمة المدنية لطرح نحو 500 وظيفة شاغرة في الوزارة، وهي بحاجة إلى من يشغلها، أعتقد أن هذا مؤشر يدعو وزارة الخدمة المدنية لإعادة النظر في آلياتها، وتسريع الإجراءات خصوصا في ظل الحاجة إلى هذه الوظائف» .